فيصرفها فيه كما يصرفه، فإذا شاء الله أن يخلق ما خلق كان بقدرته وعلمه ومشيئته ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿لمن شاء منكم أن يستقيم﴾ ثم رد الأمر إلى أصله فقال: ﴿وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين﴾ وقد بينا قوله تعالى: ﴿فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾ في سورة الكهف، وبينا أن قوله تعالى: ﴿اعملوا ما شئتم﴾ تهديد وكل تهديد في القرآن منسوخ بآيات القتال فإنه تحقيق للوعيد وإنفاذ للتهديد.
وفيها آية أخرى وهم فيها بعضهم، وهي قوله تعالى: ﴿ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبنيه عداوة كأنه ولي حميم﴾ قال نسختها آية القتال.
قال القاضي محمد بن العربي رضي الله عنه:
لا يصح في ذلك نسخ فإن الحسنة ما حسنه الشرع وأعظمه رتبة الإيمان، والسيئة ما قبحه الشرع وأعظمه رتبة الكفر، ولا يزال الرجل يدفع السيئة إذا قوبل بها بالحسنة التي تقابلها، فإذا تبين له دليلا في عقيدة سيئة يراه عليها أو يراجعه مراجعة لطيفة في أمر بمعروف يرى فيه تقصيرا ونهي عن منكر يعاين فيه تعاطيا أو يغضي على كلمة جفاء يسمعها حتى يعود الولي حميما، فذلك أنجع للمراد لا في مواطن تتعين فيها الغلظة وتجب فيها الشدة فيكون العمل في ذلك بحسب ما يظهر، بيد أن الكلام في هذه الآية خرج على الأغلب، وتفصيلها على التعيين وتفسير المجمل منها بالتبيين يتعلق بعلم الذكر وهو النوع الرابع من علوم القرآن والله أعلم.