فلا يقال إن هذا نسخ، إنما هو تعليم بما لم يكن يعلم، وفضل زائد إلى ما تقدم، وأما قوله تعالى: ﴿ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر﴾ ففيها ثمانية أقوال: الأول والثاني والثالث والرابع ما تقدم في مسطور ما ذكر، المتقدم، حكايتنا عنه.
الخامس: ليغفر لك الله الصغائر باجتناب الكبائر.
السادس: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر قبل هذه الآية التي أخبرناك فيها بالمغفرة وبعدها.
السابع: أن معناه ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر باستغفارك.
الثامن: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر على العموم وهذه الأقوال إنما تتركب على ما يحتمله لفظ التقديم ولفظ التأخير فصار المتقدم يقتضي القبلية وصار التأخر يقتضي البعدية فلأجل ذلك حمل كل أحد قوله على مقتضي قبل وبعد وانقسم إلى مجاز وإلى حقيقة، فالحقيقة هو أن يغفر له ذنبه والمجاز أن يغفر ذنب غيره بسببه وفي حرمته، كما قالوا إن المغفرة لآدم، ولجميع النبيين بحرمته، والوعاظ يقولون، لولا محمد لم تخلق سماء ولا أرض ولا جنة ولا نار، وكذلك لولا آدم وعيسى على النحو الذي يريدون فإن الله تعالى إنما خلق المقادير التي سبقت في علمه وكتبها بعلمه مرتبة بعضها على بعض ومرتبطة بعضها ببعض ومحمد والأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين من أشرف المخلوقات أو أشرفها كلها ولكن لا حاجة بنا إلى العدول بالكلام عن ظاهره وإنما المعنى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك قبل الوقت الذي أعلمناك فيه بذلك وبعده إلى الموت.
وأما قوله: من قبل ما تقدم يوم بدر، فلم يكن يوم بدر ذنب بل كان أفضل الأعمال وأعظم الطاعات من الدعاء والاستكانة والتضرع إلى الله والاستغاثة، وقوله عليه السلام: إن تهلك هذه العصابة لن تعبد في الأرض أبدا، كلام بديع وإنما فيه ما قال له أبو بكر الصديق رضوان الله عليه حين رآه يدعو بهذه الكلمات، وغيرها: يا رسول الله كفى مناشدتك ربك إنه سينجز لك ما وعدك، فكان