وأما من قال: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر بشرط استغفارك فكلام صحيح ولذلك كان النبي عليه السلام يتأوله ويفعله فيستغفر ويتعبد ويبكي ويخشع وهذا حكم التوبة والمغفرة، إذا قال الله لعبده تبت عليك، فمن ذلك اليوم يزيد في الطاعة ولو قال: غفر لي فلا أبالي، لكان ذلك هلاكا له.
وأما من قال: إنه على العموم فصحيح أيضا، ولكن لا يجوز أن يقال للنبي كبيرة، فإن ذلك مستحيل عليه شرعا، وإنما يصح أن تنسب إليه الغفلات والتقصير في المتجهدات والاشتغال بالأهل عن الطاعات، فمن هذا كان يتوب في كل يوم مائة مرة، ومن هذا كان يغان على قلبه الشريف بحكم جبلة الآدمية فيرجع إلى التوبة لأجل النبوة. وإلى ها هنا انتهى تحقيق القول في الآيتين وتبين بذلك الغرض من المعنيين وظهر خروج النسخ عنهما وأنهما في حيز المحكم والمشكل والله أعلم.
أما جميع ما استشهد به من الأحاديث ورتبه من النزول في الآية واحدة بعد أخرى وما قاله المنافقون والمشركون واليهود وما نزل ترتيب أقوالهم آية بعد آية فأحاديث موضوعة لا أصل لها. وإنما الصحيح منها ما رواه الأئمة بأجمعهم في آية الفتح ونص عليه الصحاح واللفظ للترمذي، عن عمر قال كنا مع رسول الله ﷺ في بعض أسفاره فكلمت رسول الله فسكت ثم كلمته فسكت فحركت راحلتي فتنحيت وقلت ثكلتك أمك يا ابن الخطاب نزرت رسول الله ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك ما أخلقك أن ينزل فيك قرآنا قال: فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ بي، قال: فجئت رسول الله ﷺ فقال يا ابن الخطاب لقد أنزلت علي هذه الليلة سورة ما أحب أن لي بها ما طلعت عليه