وقد قال بعضهم: إن معناه كتب عليهم وصية لأزواجهم. وإذا استغني الكلام عن إضمار جار ومجرور فاستغناؤه عن إضماره مع فعل يقدر إليه مضافا أولى. وأما من نصب وصية فإنه إن كان فرارا من الابتداء بالنكرة فقد جا بأغرب منها في إضمار جملة من فعل وفاعل يرتبط الكلام دونها ويستغني الفصيح عنها والله أعلم.
الفصل الثالث: هذه الاية مفسرة لمشكل وقع في آيات البقرة في سكنى المعتدة للوفاة فإن الناس اختلفوا في المتوفي عنها زوجها. فمنهم من قال تسكن حين شاءت ﴿فإن خرجن فلا جناح عليكم فما فعلن﴾ فرفع الحرج عنهن في خروجهن، الثاني: أن رفع الحرج منسوخ بالإلزام الذي قلتم في نظم الكتاب في قوله تعالى: ﴿يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا﴾ روي الأول عن ابن عباس رحمه الله، والصحيح نسخها لثلاثة أوجه:
أحدها حديث عثمان الصحيح وقد تقدم بيانه عند ذكرها، ومنتهى التحقيق فيه أن المتوفي عنها زوجها كانت في الجاهلية تدخل حفشا فتقيم فيه حولا، فلما بعث الله تعالى رسوله عليه السلام جعل مقام المتوفي عنها زوجها حولا كما كانوا يفعلون وليس في الآية نص على محل المقام هل هو بيتها مع زوجها أم غيره وإنما فيه أنه فرض عليها ألا تخرج ولم ينص على المكان الذي لا تخرج منه. وإنما هو ظاهر وبينه على أن من له حق في هذا المسكن لا يخرج منه. ثم بين تعالى فقال: ﴿فإن خرجن﴾ يعني الأزواج ﴿فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن﴾ إذا خرجت من مسكن إلى مسكن تلتزم فيه العدة، لقوله تعالى: ﴿من معروف﴾ فكان على الملازمة، للأزواج في البيوت على هذا التقدير وصية لهن، وللموصى له قبول الوصية أو ردها، ثم نسخ الله ذلك من الوصية والمدة بقوله تعالى: ﴿والذين يتوفون﴾ على ما تقدم من قول عثمان رضي الله عنه وعضد به حديث الفريعة ونصه، أنها جات رسول الله ﷺ تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني