وبهذا نعلم أن تدبر القرآن يتنوع بحسب تنوع مَطَالِب المتدبرين.
كما يظهر أيضًا ما يقع للناس من التفاوت العظيم في باب التدبر، فمِن مُقِلٍّ ومُكْثِر.

ولكِنْ تأخُذُ الأذهانُ منهُ على قَدْرِ القَرائحِ والفُهُومِ (١)
وفي هذا المعنى يقول الحافظ ابن القيم - رحمه الله -: «والمقصود تفاوت الناس في مراتب الفهم في النصوص، وأن منهم من يفهم من الآية حُكْمًا أو حُكمين، ومنهم من يفهم منها عشرة أحكام، أو أكثر من ذلك، ومنهم من يقتصر في الفهم على مجرد اللفظ دون سِيَاقه ودون إيمائه وإشارته وتنبيهه واعتباره، وأخص من هذا وألطف ضَمُّه إلى نصٍّ آخر مُتَعَلِّق به، فيَفهم من اقترانه به قَدْرًا زائدًا على ذلك اللفظ بمفرده.
وهذا باب عجيب من فهم القرآن لا يتنبه له إلا النادر من أهل العلم، فإن الذهن قد لا يشعر بارتباط هذا بهذا وتعلقه به؛ وهذا كما فهم ابن عباس - رضي الله عنهما - من قوله: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾ (الأحقاف: ١٥)، مع قوله: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ (البقرة: ٢٣٣): أن المرأة قد تَلِد لستة أشهر»
اهـ (٢).
_________
(١) ديوان المتنبي ص: ٢٣٢.
(٢) إعلام الموقعين (٣/ ١٢٦)، وأثر ابن عباس - رضي الله عنهما - رواه عبد الرزاق في مصنفه (١٣٤٤٦) وغيره.


الصفحة التالية
Icon