الثاني: أشرنا سابقًا إلى التفاوت الحاصل بين القلوب من ناحية حياتها ومرضها وموتها، وقوتها وضعفها؛ فالقلب قد يكون مريضًا أو ضعيفًا، فإذا أصغى صاحبه بسمعه مع حضور القلب حال الاستماع أو القراءة، فإنه ينتفع ويعتبر، ما لم يصل إلى حال الطمس والختم على القلب؛ ولهذا فإن من الكفار من يتأثر بسماع القرآن، وقد يكون ذلك سبب دخوله في الإسلام، كما وقع ويقع في القديم والحديث؛ وقد سمع جُبير بن مُطْعِم - رضي الله عنه - قبل إسلامه النبي - ﷺ - يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ قوله: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (٣٥) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (٣٦) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ﴾ (الطور: ٣٥ - ٣٧)، قال: كاد قلبي أن يطير (١).
قال الخطابي: «كأنه انزعج عند سماع هذه الآية؛ لفهمه معناها، ومعرفته بما تضمنته، ففهم الحجة، فاستدركها بلطيف طبعه... » اهـ (٢).
الشرط الثاني: العمل الذي يصدر من المكلف (الاستماع، أو القراءة، مع حضور القلب):
وإليك بيان هذا الشرط وما يتعلق به:
أما الاستماع: فيكفي في ذلك قول الله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (الأعراف: ٢٠٤).
يقول ابن سعدي - رحمه الله -: «هذا الأمر عام في كل من سمع كتاب الله يُتلى، فإنه مأمور بالاستماع له والإنصات، والفرق بين الاستماع والإنصات أن الإنصات في الظاهر بترك التحدث، أو الاشتغال بما يشغل عن استماعه، وأما الاستماع له
_________
(١) رواه البخاري (٤٨٥٤).
(٢) فتح الباري (٨/ ٤٧٩).