ومنها: أن القرآن مادة الهدى والعلم والخير في القلب، كما أن الماء مادة النبات، والشيطان يحرق النبات أولًا فأولًا، فكلما أحس بنبات الخير من القلب، سعى في إفساده وإحراقه، فأُمر- أي: المؤمن- أن يستعيذ بالله - عز وجل - منه؛ لئلا يُفْسِد عليه ما يحصل له بالقرآن.
والفرق بين هذا الوجه والوجه الذي قبله: أن الاستعاذة في الوجه الأول لأجل حصول فائدة القرآن، وفي الوجه الثاني لأجل بقائها، وحفظها وثباتها...
ومنها: أن الشيطان يُجْلِب على القارئ بخيله ورَجِلِه؛ حتى يشغله عن المقصود بالقرآن، وهو تدبره وتفهمه، ومعرفة ما أراد به المتكلم به سبحانه، فيحرص بجهده على أن يَحُول بين قلبه وبين مقصود القرآن، فلا يكمل انتفاع القارئ به، فأُمر عند الشروع أن يستعيذ بالله - عز وجل - منه...
ومنها: أن الله - سبحانه وتعالى - أخبر أنه ما أرسل من رسول ولا نبي إلا إذا تمنَّى ألقى الشيطان في أُمنيته (١)،
والسلف كلهم على أن المعنى: إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته... فإذا كان هذا فِعْلُه مع الرسل عليهم السلام فكيف بغيرهم؛ ولهذا يُغلِّط القارئ تارةً، ويخلط عليه القراءة، ويُشَوِّشها عليه، فيخبط عليه لسانه، أو يُشوش عليه فهمه وقلبه، فإذا حضر عند القراءة لم يعدم منه القارئ هذا، أو هذا، وربما جمعهما له، فكان من أهم الأمور الاستعاذة بالله تعالى منه.
ومنها: أن الشيطان أحرص ما يكون على الإنسان عندما يهم بالخير، أو يدخل فيه، فهو يشتد عليه حينئذ ليقطعه عنه... فهو بالرَّصَد، ولا سيما عند قراءة القرآن، فأمر سبحانه العبد أن يُحارِب عدوه الذي يقطع عليه الطريق، ويستعيذ بالله تعالى منه أولًا ثم يأخذ في السير... » (٢).
_________
(١) وذلك في سورة الحج، الآية (٥٢).
(٢) إغاثة اللهفان (١/ ١٨١ - ١٨٤).