وعن ابن أبي ليلى - رحمه الله - قال: «إذا قرأت فافتح أُذُنيك؛ فإن القلب عَدْلٌ بين اللسان والأُذن» (١).
وذلك أقرب إلى التدبر في الأصل، لا سيما إذا كان خاليًا، أو لم يحصل التأذي بجهره، وقد جاء في حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - مرفوعًا: «الجَاهِرُ بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمُسِرّ بالقرآن كالمسر بالصدقة» (٢).
يقول النووي - رحمه الله -: «جاءت آثار بفضيلة رفع الصوت بالقراءة، وآثار بفضيلة الإسرار؛ قال العلماء: والجمع بينهما أن الإسرار أبعد من الرياء، فهو أفضل في حق من يخاف ذلك، فإن لم يخف الرياء فالجهر أفضل؛ بشرط ألا يؤذي غيره من مُصَلٍّ أو نائم أو غيرهما. ودليل فضيلة الجهر أن العمل فيه أكثر؛ ولأنه يتعدى نفعه إلى غيره؛ ولأنه يوقظ القلب ويجمع همَّه إلى الفكر، ويصرف سمعه إليه... » إلى أن قال: «فمتى حضره شيء من هذه النيات، فالجهر أفضل» اهـ (٣).
لكن من الناس من يكون تدبُّرُه حال الإسرار أعظم فَيُقَدَّم، والله أعلم.
ج. الترتيل والتَّرَسُّل في القراءة:
قال تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ (المزمل: ٤)؛ قال في الكشاف: «ترتيل القراءة: التأني والتمَهُّل، وتبيين الحروف والحركات، تشبيهًا بالثغر المُرَتَّل، وهو
_________
(١) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٣٦٩٠). ونحوه عن الشعبي؛ أخرجه ابن المبارك في الزهد (١١٩٨).
(٢) رواه أحمد (٤/ ١٥١)، والترمذي (٢٩١٩)، وأبو داود (١٣٣٣)، والنسائي (٢٥٦١)، وابن حبان (٧٣٤)، وصححه ابن حبان وغيره، وحسنه الترمذي، وابن القطان في بيان الوهم والإيهام (٥/ ٧٠١).
(٣) الأذكار (ص ١٦٢)، وينظر: التبيان (ص ٨١)، والمجموع (٢/ ١٩١).


الصفحة التالية
Icon