واتلُ بفَهمٍ كتابَ اللهِ فيهِ أتَتْ كلُّ العلومِ تَدَبَّرْهُ ترَ العَجَبا (١)
فينبغي النظر إليه باعتبار أنه كتاب هداية: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ (الإسراء: ٩)، يُحيي الله به موتى الأرواح: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ (الأنعام: ١٢٢)، ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ (الأنفال: ٢٤)، ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ (إبراهيم: ١).
وإذا أردت أن تعرف عظمة هذا القرآن، وتأثيره في النفوس والمجتمعات، فتأمل ما وصفه الله تعالى به في مواضع كثيرة، حيث وصفه بأنه كريم، وحكيم، وعظيم، ومجيد، ومبارك، وعزيز، ومُهيمِن، وعلِيّ، وهُدى، ورحمة، وشفاء، ونور، وذِكْر، وموعظة، ورُوح، وتفصيل كل شيء، وبصائر، وأنه حق، وبرهان، إلى غير ذلك من الأوصاف.
كما سماه بالفرقان؛ لأنه يفرق بين الهدى والضلال، والحق والباطل، وبالقرآن؛ لأنه جمع ثمرة الكتب قبله.
فالواجب أن يُقبل المسلم على كتاب ربه إقبالًا يليق بهذا القرآن العظيم، «ويعرف أنه سِيق لهداية الخلق كلهم، عالِمِهم وجاهلهم، حضريهم وبدويهم... فمن وُفِّق لذلك لم يبق عليه إلا الإقبال على تدبُّرِه وتَفَهُّمه، وكثرة التفكر في ألفاظه ومعانيه، ولوازمه وما تتضمنه... وما يدل عليه منطوقًا ومفهومًا، فإذا بَذَلَ وُسْعَه
_________
(١) تفسير القرطبي (١/ ٤١).


الصفحة التالية
Icon