قال الزركشي - رحمه الله -: «أذهلني يومًا قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (٢٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ (٢٦)﴾، فقلت: يا لطيف! ! عَلِمْتَ أن قلوب أوليائك الذين يعقلون هذه الأوصاف عنك وتتراءى لهم تلك الأهوال لا تتمالك فَلَطَفْت بهم فَنَسَبْت ﴿الْمُلْكُ﴾ إلى أَعَمِّ اسم في الرحمة فقُلْت: ﴿لِلرَّحْمَنِ﴾؛ ليلاقي هذا الاسم تلك القلوب التي يحل بها الهول فَيُمَازِج تلك الأهوال، ولو كان بدله اسمًا آخر من عزيزٍ وجبارٍ لتفطرت القلوب» (١).
١٢ - قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ (الأحزاب: ٥٣)، وقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (٥٧) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (٥٨) يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (٥٩) لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (٦٠) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (٦١) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (٦٢)﴾ (الأحزاب).
لما ذكر الله تعالى آيات الحجاب في سورة الأحزاب، تَوَعَّد قبلها المنافقين وأضرابهم الذين يؤذون الله ورسوله وأهل الإيمان، وهم حرب على الفضيلة وأهلها، ثم أعقبها بِتَوَعُّد المنافقين وأصحاب القلوب المريضة، وأهل الإرجاف وقالة السوء، فيدخل في ذلك الطاعنون في الحجاب والسَّتْر والعفاف، والمُؤذُون لذوات الطُّهر والحِشْمة.
_________
(١) البرهان للزركشي (١/ ٤٧٠).