٣ - قال تعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣٥)﴾ (النور).
قال ابن تيمية - رحمه الله -: «ذَكَرَ سبحانه آية النور عقيب آيات غضِّ البصر، فقال: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، وكان شاه بن شُجَاع الكرماني لا تُخطئ له فِراسة، وكان يقول: مَن عَمَّر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المُراقبة، وغضَّ بصره عن المَحارم، وكفَّ نفسه عن الشَّهوات، -وَذَكَرَ خَصْلَةً خامسة، وهي: أكْلُ الحلال- لم تُخْطِئ له فِرَاسَة.
والله تعالى يَجْزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله؛ فغضُّ بصره عمَّا حَرُم يُعَوِّضه الله عليه من جنسه بما هو خيرٌ منه؛ فَيُطْلِقُ نور بصيرته، ويَفتَحُ عليه باب العلم والمعرفة والكشوف، ونحو ذلك مِمَّا ينالُ ببصيرة القلب» (١).
وقال الشنقيطي - رحمه الله -: «لما أمر الله تعالى ببعض الأمور التي لا غنى للناس عنها، ونهى عن بعض الأمور التي بارتكابها يحصل الضرر على المجتمع والأفراد، وحث على بعض الآداب السماوية، بين سبحانه أن امتثال تلك الأوامر، واجتناب تلك النواهي، والتزام تلك الآداب؛ ينور لها قلوب عباده فيوفقهم لها، ويطمس قلوب آخرين، فلا يمتثلون أوامره، ويرتكبون نواهيه، فضرب للموفق هذا المثل، وضرب للضالين المثل الآتي في قوله تعالى: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ... ﴾ (النور: ٤٠)» (٢).
_________
(١) مجموع الفتاوى (٢١/ ٢٥٧ - ٢٥٨)، وانظر ما ذكره في (١٥/ ٢٨٢ - ٢٨٣).
(٢) تفسير سورة النور للشنقيطي (ص ١٣٥).