١٠ - قال تعالى: ﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (٨٥)﴾ (النساء).
قال ابن القيم - رحمه الله -: «تأمل قوله تعالى في الشفاعة الحسنة: ﴿يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا﴾، وفي السيئة: ﴿يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا﴾؛ فإن لفظ (الكِفْل) يُشْعِر بالحِمْل والثقل، ولفظ (النصيب) يُشعر بالحظ الذي يَنْصَب طالبُه في تحصيله، وإن كان كل منهما يُستعمل في الأمرين عند الانفراد، ولكن لما قرن بينهما، حسن اختصاص حظ الخير بالنصيب وحظ الشر بالكِفْل» (١).
١١ - قال تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)﴾ (الأعراف).
قال ابن القيم - رحمه الله -: «وأما الإخبار عن الرحمة وهي مُؤنثة بالتاء، بقوله: ﴿قَرِيبٌ﴾ وهو مُذَكَّر، ففيه اثنا عشر مَسْلكًا... المَسْلَك السادس:... أن الرحمة صفة من صفات الرب - تبارك وتعالى -، والصفة قائمة بالموصوف لا تُفارقه؛ لأن الصفة لا تُفارق موصوفها، فإذا كانت قريبة من المحسنين فالموصوف - تبارك وتعالى - أولى بالقُرب منه، بل قُرب رحمته تبع لقُربه هو - تبارك وتعالى - من المحسنين... فالرب - تبارك وتعالى - قريب من المحسنين، ورحمته قريبة منهم، وقُربه يستلزم قُرب رحمته، ففي حذف التاء هاهنا تنبيه على هذه الفائدة العظيمة الجليلة، وأن الله تعالى قريب من المحسنين، وذلك يستلزم القُربين: قُربه وقُرب رحمته. ولو قال: (إن رحمة الله قريبة من المحسنين) لم يدل على قُربه تعالى منهم؛ لأن قُربه تعالى أخص من قُرب رحمته... فلا تَسْتَهِن بهذا المسلك فإن له شأنًا، وهو مُتَضَمِّن لسِر بديع من أسرار الكتاب... » (٢).
_________
(١) روضة المحبين (ص ٣٧٨).
(٢) بدائع الفوائد (٣/ ١٨، ٣٠ - ٣١).