قال ابن كثير - رحمه الله -: «قالت في مُنَاجَاتها: ﴿رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ﴾؛ تقول: كيف يُوجَد هذا الولد مني وأنا لست بذات زوج ولا من عَزْمي أن أتزوج، ولست بغيًّا؟ حاشا لله. فقال لها الملَكُ -عن الله - عز وجل - في جواب هذا السؤال: ﴿كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾؛ أي: هكذا أَمْر الله عظيم، لا يُعجِزُه شيء. وصَرَّح ها هنا بقوله: ﴿يَخْلُقُ﴾ ولم يقل: (يَفْعَلُ) كما في قصة زكريا، بل نَصَّ ها هنا على أنه يخلُقُ؛ لئلا يُبقي شُبهة، وأَكَّد ذلك بقوله: ﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾» (١).
٧ - قال تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٥١)﴾ (الأنعام)، وقال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (٣١)﴾ (الإسراء).
قال ابن كثير - رحمه الله -: «أي: ولا تَقتلوهم من فَقْرِكُمُ الحاصل. وقال في سورة (سُبْحَانَ): ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ﴾؛ أي: خشية حصول فَقْرٍ في الآجل؛ ولهذا قال هُناك: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾، فبدأ برزقهم؛ لِلاهتمام بهم؛ أي: لا تخافوا من فقركم بسببهم، فرزقهم على الله» (٢).
٨ - قال تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠)﴾ (الأعراف)، وقال: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٦)﴾ (فصلت)، وقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٥٦)﴾ (غافر: ٥٦).
_________
(١) تفسير ابن كثير (٢/ ٤٤).
(٢) السابق (٣/ ٣٦٢).