والجواب أن يُقال: لَمَّا قال في الأُولى: ﴿ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾؛ أي: يُبين لكم ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله، وذَكَر الحدود التي حَدَّها لِعِبَادِه، ثُم سَمَّى مَن لم يُؤمِن كافرًا باسمه وتَوَعَّدَه بالعذاب المُوجِع المُبَالغ فيه، وهو ما يُخوّف الله تعالى به عباده، نعوذ بالله منه.
وأما قوله: ﴿عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ فلأن قبله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا﴾؛ فَضُمِّن معنى الفعلين الشرط والجزاء، فجعل الكَبْت جزاء مَن آثر حِزْبًا غير حِزْب الله ورسوله، وحَدًّا غير حَدّهما، والكَبْت: الإذلال، وقيل: الغَلْبُ والقَهْر والتَّخْيِيب؛ وكل ذلك مُتَقَارِب» (١).
١٦ - قال تعالى: ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩)﴾ (الذاريات)، وفي سورة المعارج: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥)﴾ (المعارج).
قال الغرناطي - رحمه الله -: «يُسأل عن وجه زيادة الصفة في سورة المعارج من قوله: ﴿مَعْلُومٌ﴾ وسقوط ذلك في الذاريات؟ وهل كان يُنَاسِب عكس الوارد؟
والجواب، والله أعلم: أن آية المعارج قد تَقَدَّمها مُتَّصِلًا بها قوله تعالى: ﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ (٢٢)﴾ (المعارج)، والمُراد بالصلاة هنا: المكتوبة، وأيضًا يُقْرَن بها في آي الكتاب الزكاة المفروضة، وبها فَسَّر المُفسِّرون الحق المعلوم في آية المعارج.
قال الزمخشري: لأنها مُقَدَّرة معلومة.
قلت: وليس في المال حق مُقَدَّر معلوم وقتًا ونِصَابًا ووجوبًا غيرها، فلما أُرِيد بالحق هنا الزكاة أُتبع بوصف يُحْرِز المقصود»
(٢).
_________
(١) درة التنزيل (١/ ١٢٥٧ - ١٢٥٨).
(٢) ملاك التأويل (٢/ ٤٥٠).


الصفحة التالية
Icon