ثم تأمل كيف جاءت أيضًا في سورة الصافات مجموعة في قوله: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (٥)﴾ (الصافات)، لَمَّا جاءت مع جملة المربوبات المُتعددة وهي السموات والأرض وما بينهما، كان الأحسن مجيئها مجموعة؛ لينتظم مع ما تقدم من الجمع والتَّعَدُّد.
ثم تأمل كيف اقتصر على المَشَارِق دون المَغَارِب؛ لاقتضاء الحال لذلك، فإن المَشَارِق مَظْهَر الأنوار وأسباب انتشار الحيوان وحياته وتَصَرُّفه ومَعَاشِه وانبساطه، فهو إنشاء مَشْهُود، فَقَدَّمه بين يدي الرد على مُنْكِري البعث، ثم ذَكَر تَعجُّب نَبِيّه من تكذيبهم واستبعادهم البعث بعد الموت، ثم قرر البعث وحالهم فيه، وكان الاقتصار على ذكر المشارق هاهنا في غاية المُناسَبة للغرض المطلوب والله أعلم» (١).
١٨ - قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: «الشَّر لم يُضف إلى الله في الكتاب والسُّنَّة إلا على أحد وجوه ثلاثة: إمَّا بطريق العموم؛ كقوله: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ (الزمر: ٦٢)، وإمَّا بطريقة إضافته إلى السَّبب؛ كقوله: ﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (٢)﴾ (الفلق: ٢)، وإمَّا أن يُحذف فاعله؛ كقول الجن: ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (١٠)﴾ (الجن)، وقد جمع في الفاتحة (الأصناف الثلاثة) فقال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)﴾ وهذا عام، وقَال: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ (٧)﴾ فحذَف فاعل الغضب. وقال: ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ فأضاف الضلال إلى المخلوق. ومن هذا قول الخليل: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ (الشعراء: ٨٠)، وقول الخضر: ﴿فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا﴾ (الكهف: ٧٩)، ﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ (الكهف: ٨١)، ﴿فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا﴾ (الكهف: ٨٢)» (٢).
_________
(١) بدائع الفوائد (١/ ١٢١ - ١٢٣). وانظر: التبيان في أقسام القرآن (ص ١٩٤ - ١٩٦).
(٢) مجموع الفتاوى (٨/ ٥١١ - ٥١٢). وانظر: منهاج السنة (٣/ ١٤٣)، (٥/ ٤١٠).


الصفحة التالية
Icon