الاسمية، والحالة المَوْقُوتة بالصيغة الفعلية، وهو نظير قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (٥٩)﴾ (القصص)؛ فالظلم من الأسباب الثابتة في إهلاك الأمم، فجاء بالصيغة الاسمية للدلالة على الثبات، ثم انظر كيف جاءنا بالظلم بالصيغة الاسمية أيضًا دون الفعلية، فقال: ﴿وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ﴾، ولم يقل: (يظلمون)؛ وذلك معناه: أن الظلم كان وصفًا ثابتًا لهم، مُسْتَقرًّا فيهم، غير طارئ عليهم، فاستحقوا الهلاك بهذا الوصف السَّيِّئ.
فانظر كيف ذكر أنه يرفع العذاب عنهم باستغفارهم، ولو لم يكن وصفًا ثابتًا فيهم، وأنه لا يهلكهم إلا إذا كان الظلم وصفًا ثابتًا فيهم، فإنه جاء بالاستغفار بالصيغة الفعلية: ﴿يَسْتَغْفِرُونَ﴾، وجاء بالظلم بالصيغة الاسمية: ﴿ظَالِمُونَ﴾، فانظر إلى رحمة الله - سبحانه وتعالى - بخلقه» (١).
٤ - قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (٦٩)﴾ (هود).
قال ابن القيم - رحمه الله -: «أما السؤال العاشر -وهو السِّر في نَصْب سَلامِ ضَيفِ إبراهيم الملائكة، ورَفْعِ سَلامِه-: فالجواب: أنك قد عَرفتَ قول النُّحَاة فيه، أن سَلَام الملائكة تَضَمَّن جُملة فعلية؛ لأن نَصْب السَّلَام يدل على: (سَلَّمْنا عليك سلامًا)، وسلام إبراهيم تَضَمَّن جُملة اسمية؛ لأن رَفْعَه يدل على أن المعنى: (سَلامٌ عليكم). والجملة الاسمية تدل على الثبوت والتَّقَرُّر، والفعلية تدل على الحُدُوث والتُّجَدُّد، فكان سَلامه عليهم أكمل من سلامهم عليه، وكان له من مقامات الرد ما يليق بمنصبه - ﷺ -، وهو مقام الفضل؛ إذ حَيَّاهم بأحسن من تحيتهم. هذا تقرير ما قالوه... ».
_________
(١) التعبير القرآني (ص ٢٦).