وذكر الصبر على المشروع والمقدور، وبيَّن ما أنعم به على هذه الأمة من البشرى للصابرين؛ فإنها أُعْطِيَت ما لم تُعْطَ الأممُ قبلها، فكان ذلك من خصائصها وشعائرها؛ كالعبادات المُتَعَلِّقة بالبيت؛ ولهذا يَقْرِن بين الحج والجهاد؛ لدخول كل منهما في سبيل الله؛ فأما الجهاد فهو أعظم سبيل الله بالنص والإجماع، وكذلك الحج في الأصح؛ كما قال: «الحج من سبيل الله» (١). وبيَّن أن هذا معروف عند أهل الكتاب، بِذَمِّه لكاتِم العلم.
ثم ذكر أنه لا يقبل دينًا غير ذلك؛ ففي أولها: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢)﴾ (البقرة)، وفي أثنائها: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا﴾ (البقرة: ١٦٥)، فالأول نهي عام، والثاني نهي خاص، وذَكَرَها بعد البيت ليُنْتَهَى عن قَصْد الأنداد المُضَاهِيَة له، ولِبَيْتِه من الأصنام والمقابر ونحو ذلك، ووَحَّد نَفْسه قبل ذلك، وأنه: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (١٦٣)﴾ (البقرة).
ثم ذَكَر ما يَتَعَلَّق بتوحيده من الآيات؛ ثم ذكر الحلال والحرام، وأَطْلَق الأَمْر في المَطاعِم؛ لأن الرسول بُعِث بالحَنِيفيَّة وشعارها؛ وهو البيت، وذَكَر سَماحَتها في الأحوال المباحة، وفي الدماء بما شَرَعه من القِصَاص، ومن أَخْذ الديّة؛ ثم ذكر العبادات المُتَعَلِّقة بالزمان؛ فذكر الوصية المُتَعَلِّقة بالموت، ثم الصيام المُتَعَلِّق برمضان وما يتصل به من الاعتكاف ذَكَرَه في عبادات المكان، وعبادات الزمان؛ فإنه يختص بالمسجد وبالزمان استحبابًا أو وجوبًا بوقت الصيام، وَوَسطه أولًا بين الطواف والصلاة؛ لأن الطواف يختص بالمسجد الحرام، والصلاة تُشْرَع في جميع
_________
(١) أخرجه أبو داود (١٩٨٩) من حديث أم معقل - رضي الله عنها -، وصححه ابن خزيمة (٢٣٧٦)، والألباني في صحيح أبي داود (١٧٣٦).