فمثال الأول: ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ﴾ (التوبة: ١١٢)، وقوله: ﴿مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ﴾ (التحريم: ٥).
ومثال الثاني: قوله تعالى: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣)﴾ (الحديد: ٣).
وتأمل كيف اجتمع النوعان في قوله تعالى: ﴿حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ﴾ (غافر)، فأتى بالواو في الوصفين الأولين، وحذفها في الوصفين الآخرين؛ لأن غفران الذنب وقبول التوب قد يُظَن أنهما يجريان مجرى الوصف الواحد لتلازمهما، فمن غفر الذنب قَبِلَ التوب، فكان في عطف أحدهما على الآخر ما يدل على أنهما صفتان وفعلان مُتغايران، ومفهومان مختلفان لكل منهما حُكْمُه، أحدهما: يتعلق بالإساءة والإعراض؛ وهو المغفرة، والثاني: يتعلق بالإحسان والإقبال على الله تعالى والرجوع إليه، وهو التوبة، فتُقبل هذه الحسنة، وتُغفر تلك السيئة، وحَسَّن العطف ههنا هذا التغاير الظاهر.
وكلما كان التغاير أبين كان العطف أحسن؛ ولهذا جاء العطف في قوله: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ﴾ (الحديد: ٣)، وتُرك في قوله: ﴿الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ﴾ (الحشر: ٢٣)، وقوله: ﴿الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ﴾ (الحشر: ٢٤).
وأما: ﴿شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ﴾ (غافر: ٣)، فَتُرِك العطف بينهما لِنُكتة بديعة: وهي الدلالة على اجتماع هذين الأمرين في ذاته سبحانه، وأنه حال كونه شديد العقاب فهو ذو الطَّول، وطَولُه لا ينافي شدة عقابه، بل هما مجتمعان له،