ما لا يدخل في شيء مما سبق؛ وهو نوعان:
الأول: صور من التدبُّر لا تدخل تحت أحد الأنواع المذكورة:
التطبيق:
١ - قال تعالى عن المنافقين: ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (١٤)﴾ (البقرة).
قال ابن عاشور - رحمه الله -: «قَوله: ﴿إِنَّا مَعَكُمْ﴾ مع أن مقتضى الظاهر أن يكون كلامهم بعكس ذلك؛ لأن المؤمنين يَشُكُّون في إيمان المنافقين، وقومهم لا يَشُكُّون في بقائهم على دينهم، فجاءت حكاية كلامهم الموافقة لمدلولاته على خلاف مقتضى الظاهر لمراعاة ما هو أجدر بعناية البليغ من مُقْتَضَى الظاهر. فَخُلُوّ خطابهم مع المؤمنين عما يفيد تأكيد الخبر؛ لأنهم لا يريدون أن يَعْرِضُوا أنفسهم في مَعْرِض من يَتَطَرَّق ساحته الشك في صِدْقِه؛ لأنهم إذا فَعَلُوا ذلك فقد أيقظوهم إلى الشك، وذلك من إتقان نفاقهم؛ على أنه قد يكون المؤمنون أَخْلِيَاء الذِّهْن من الشك في المنافقين لعدم تَعَيُّنِهم عندهم، فيكون تجريد الخبر من المُؤَكِّدات مُقْتَضَى الظاهر.
وأما قولُهُم لقومِهم: ﴿إِنَّا مَعَكُمْ﴾ بالتأكيد فذلك؛ لأنه لَما بدا من إبداعهم في النفاق عند لقاء المسلمين ما يُوجِب شك كبرائهم في البقاء على الكفر، وتَطْرُق به التُّهْمة أبواب قلوبهم، احتاجوا إلى تأكيد ما يدل على أنهم باقون علَى دينهِم»
(١).
٢ - قال تعالى: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧)﴾ (البقرة).
_________
(١) التحرير والتنوير (١/ ٢٩١ - ٢٩٢).


الصفحة التالية
Icon