فقال له المُهْتَدي: أما أنت أيها الرجل فأحسن الله مقالتك، وأما أنا فما جلست هذا المجلس حتى قرأت المصحف: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ (الأنبياء: ٤٧)، فقال لي عمي: فما رأيت باكيًا أكثر من ذلك اليوم» (١).
٣ - قال ابن مفلح - رحمه الله -: «قَارِن بين تَأَدّب السلف بهدي القرآن وبين فعل بعض الناس مع علمائهم؛ قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام: ما استأذنت قط على مُحدِّث! كنت أنتظر حتى يخرج إليّ، وتأولت قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ (الحجرات: ٥)» (٢).
٤ - قال أحدهم: كان لي موعد بعد صلاة العشاء مع معصية، وفي صلاة العشاء قرأ الإمام قولَه تعالى: ﴿وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ (إبراهيم: ٣٤)، فتذكرت ما أنا فيه من الخير والنعيم.. واستحييت، فأحمد الله على التوبة (٣).
٥ - قال أحدهم: أنا طالب علم، وذات مرة توقَّفْتُ عند قوله تعالى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (الزمر: ٩)، فبكيت كثيرًا على ضياع ليالٍ كثيرة في هذه الليالي الشاتية الطويلة، وأنا لم أشرّف نفسي بالانتصاب قائمًا لربي ولو لدقائق، فكان هذا البكاء مفتاحًا لبداية أرجو ألا تتوقف حتى ألقى ربي (٤).
_________
(١) تاريخ بغداد (٤/ ٥٥٣).
(٢) الآداب الشرعية (٢/ ٧).
(٣) ليدبروا آياته (٤/ ٢٠٣).
(٤) السابق (٤/ ٢١٦).


الصفحة التالية
Icon