والعذاب الحاضر ما فيه، وإنَّما يواريه عنه سكرات الشَّهوات والعشق وحب الدنيا والرياسة، وإن لم ينضم إلى ذلك سكر الخمر، فسكر هذه الأمور أعظم من سكر الخمر، فإنه يُفيق صاحبه ويصحو، وسكر الهوى وحب الدنيا لا يصحو صاحبه إِلا إذا كان صاحبه في عسكر الأموات.
فالمعيشة الضَّنك لازمة لمن أعرض عن ذكر الله الذي أنزله على رسوله - ﷺ - في دنياه وفي البرزخ ويوم معاده، ولا تقر العين، ولا يهدأ القلب، ولا تطمئن النفس؛ إلا بإلاهها ومعبودها الذي هو حق، وكل معبود سواه باطل، فمن قَرَّت عينه بالله قرَّت به كل عين، ومن لم تقر عينه بالله تقطَّعت نفسه على الدنيا حسرات، والله تعالى إنما جعل الحياة الطيبة لمن آمن به وعمل صالحًا» (١).
١٨ - قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (٣٨)﴾ (الحج).
قال ابن القيم - رحمه الله -: «وفي القراءة الأخرى: ﴿إن الله يَدْفَع﴾ (٢)، فَدَفْعه ودفاعه عنهم بحسب قوة إيمانهم وكماله، ومادة الإيمان وقوته بذكر الله تعالى، فمن كان أكمل إيمانًا وأكثر ذِكْرًا، كان دَفْع الله تعالى عنه ودفاعه أعظم، ومن نَقَص نُقِص؛ ذِكْرًا بِذِكْر، ونسيانًا بنسيان» (٣).
_________
(١) الجواب الكافي (ص ١٢٠).
(٢) النشر في القراءات العشر (٢/ ٣٢٦).
(٣) الوابل الصيب (ص ٧٢). وانظر أيضًا: إغاثة اللهفان (٢/ ١٨١)، بدائع الفوائد (٢/ ٢٤٥).