احتج الجمهور بوجوه: أحدها قوله عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (٢٣٤) [البقرة: ٢٣٤] والمتعة ليست من المعروف، فتتضمن الجناح فتكون حراما.
الثاني: حديث علي/ [٤١ أ/م] رضي الله عنه: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن المتعة يوم خيبر. والأصل بقاء ما كان على ما كان.
الثالث: أن أئمة الحديث كمسلم وغيره نقلوا حديث سبرة بن معبد نقلا مستفيضا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم بتحريم المتعة، والتغليظ فيها، وتأبيد تحريمها إلى يوم القيامة بألفاظ كثيرة مختلفة، ومثل ذلك ينسخ به غيره.
الرابع: إجماع الجمهور من الصحابة ومن بعدهم على تحريمها، وهو قاطع، فلا يعارضه غيره.
الخامس: أن ذات المتعة لا زوجة، وإلا لورثت منه إذا مات، ولا ملك يمين، وإلا لما جاز نكاحها له، وحينئذ يكون حراما، وهو بنكاحها عاد لقوله-عز وجل-: ﴿إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ (٦) [المؤمنون: ٦].
هذه حجج الفريقين في المسألة [على ما] حضرني الآن، ولكل على حجة صاحبه اعتراض، وجواب يطول ذكره.
﴿فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٥].
يعني إذا تزوجت الأمة [ثم زنت]؛ فعليها نصف حد الحرة المحصنة، وهو عام في تنصيف الحد خص بالتغريب فلا تغرب ولا ترجم؛ لعدم الإحصان الشرعي، وإنما تجلد خمسين جلدة، فكأنه قال: نصف ما على المحصنات مما يقبل التنصيف والجلد يقبله دون التغريب؛ لأنه معنى بسيط لا يقبل التجزئة بخلاف الضرب فإنه مجموع حركات يقبل التجزئة من حيث هي مجموع، فإن قيل: تغريب العام نصفه تغريب نصف عام؛ فقد قبل التجزئة، قلنا: إنما قبلها هاهنا باعتبار طرفه الزماني لا بحسب ذاته، إذ حقيقة التغريب أنه التفريق بينه وبين وطنه، ومفهوم التفريق من حيث هو لا يعقل فيه التجزئة كضده/ [١٠٢/ل] الذي هو الجمع بينهما.