﴿إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً﴾ (٤٠) [النساء: ٤٠] عام مطرد، ومفهوم الموافقة دل على نفي الظلم في أكبر من ذلك.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً﴾ (٤٣) [النساء: ٤٣] يستدل بها على صحة تكليف من لا يفهم كالناسي والسكران. إذا كان هذا خطابا تكليفيا للسكارى، ولا حجة فيه، إنما هو خطاب للصحابة أن لا يقربوا الصلاة حال سكرهم أو خطاب لهم بأن لا يسكروا ثم يقربوا الصلاة.
﴿إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ اِفْتَرى إِثْماً عَظِيماً﴾ (٤٨) [النساء: ٤٨] فيها مسألتان:
إحداهما: أن الشرك لا يغفر لمن مات عليه ومدركه سمعي كهذه الآية ونحوها، لا عقلي إذ العقل لا يمنع العفو عن كل كافر.
المسألة الثانية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً﴾ (٥٦) [النساء: ٥٦] يقتضي أن أفعاله-عز وجل-وأحكامه معللة بالأمور الحكمية، وقد اختلف في تعليل أحكامه-عز وجل-على قولين: أحدهما: لا تعلل، لأن كل من فعل فعلا لعلة كان مستكملا بتلك العلة، ما لم يكن له قبلها/ [١٠٥/ل] من الكمال، فيكون ناقصا بذاته مستكملا بغيره، وذلك على الله-عز وجل-محال.
والثاني: أنها تعلل؛ لأن كل فعل لا علة له ولا غاية فهو عبث، [والعبث] على الله- عز وجل-محال.
والتحقيق في هذا أن العلة تارة يراد بها موجب الفعل وموجده، وتارة غايته والحكمة الباعثة على فعله؛ فإن أريد بالعلة هاهنا الأولى، فالله-عز وجل-هو علة أفعاله لا علة لها سواه، وإن أريد بها الثانية؛ فلا بد منها تحرزا عن لزوم العبث، إذ من لا غاية لفعله يقصدها به إما عابث أو فاعل بالطبع، وكلاهما على الله-عز وجل-محال، ولا يلزم استكماله