ويحتمل أن المراد: بما أراكه بواسطة نظرك واجتهادك في أحكام الكتاب وأدلته. وفيه على هذا دليل على أنه-عليه الصلاة والسّلام-كان يجتهد فيما لا نص عنده فيه من الحوادث. وهي مسألة خلاف في أصول الفقه.
حجة من أجاز هذه الآية وأن الاجتهاد في الأحكام منصب كمال، فلا ينبغي أن يفوته صلّى الله عليه وسلّم وقد دل على وقوعه منه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لو قلت: نعم، لوجبت» (١).
و«لو سمعت شعرها قبل قتله لم أقتله» (٢) في قضيتين مشهورتين.
حجة المانع: ﴿وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى﴾ (٤) [النجم: ٣، ٤] ولأنه قادر على يقين الوحي، والاجتهاد لا يفيد اليقين [١١٢/ل] فجوازه في حقه والحالة هذه كالتيمم/ [٥٣ أ/م] مع القدرة على الماء.
ثم على القول الأول: وهو أن الاجتهاد جائز له؛ هل يقع منه الخطأ أم لا؟ فيه قولان للأصوليين، أحدهما: لا (٣) لعصمته، صلّى الله عليه وسلّم.
والثاني: نعم (٤)، بشرط أن لا يقر عليه، استدلالا بنحو: ﴿عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ﴾ (٤٣) [التوبة: ٤٣].
﴿ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (٦٧) [الأنفال: ٦٧] ونحو ذلك.
ويتعلق بهذا مسألة التفويض: وهي أنه هل يجوز أن يفوض الله-عز وجل-إلى نبي حكم الأمة؛ بأن يقول: احكم بينهم باجتهادك، وما حكمت به فهو حق، أو وأنت لا تحكم إلا بالحق؟ فيه قولان، أقربهما الجواز، وهو قول موسى بن عمران من الأصوليين؛ لأنه مضمون له إصابة الحق، وكل مضمون له ذلك جاز له الحكم أو يقال: هذا التفويض