الشبهة فضلا عن الحجة، فلهذا قيل لهم: انتهوا عن هذا الاعتقاد الباطل الذي ليس له حاصل ولا وراءه طائل يكن الانتهاء عنه خيرا لكم.
﴿إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً﴾ (١٧١) [النساء: ١٧١] أي من كل الجهات لا تعدد ولا انقسام له بوجه؛ فقولكم: الأب والابن وروح القدس إله واحد، تناقض؛ لأنكم كثرتموه [أولا ثم] وحدتموه ثانيا، وهو [تهافت وتلاعب من الشيطان بعقولكم] وهذا بخلاف قول المسلمين:
﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، ﴾ (١) لأنهم يقولون ذلك على معنى أن الذات الإلهية واحدة لكنها متصفة بصفات كمالية، فإن اقتصرتم أنتم على مثل ذلك وافقتم، وإن تماديتم في تخليطكم المذكور فلكم الويل والثبور.
السابع: ﴿سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً﴾ (١٧١) / [١٢٥/ل]) [النساء: ١٧١] أي تنزه عن الولد؛ إذ ما سواه في السماوات والأرض مملوك له، والملك ينافي الولدية، كما سبق في البقرة، والبحث مع النصارى طويل، أفردنا له عدة تعاليق.
قوله-عز وجل- ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً﴾ (١٧٢) [النساء: ١٧٢].
لما زعمت النصارى إلهية المسيح قيل لهم: إن المسيح نفسه لن يستنكف، ولا يأنف من الإقرار بالعبودية فأنتم يا نصارى في تنزيهه عنها فضولية، ثم احتج بهذه الآية من يرى أن الملائكة أفضل من الأنبياء، وتقريره أن هذا السياق في مثل هذا المقام يقتضي أن المذكور آخرا أفضل كما يقال: إن فلانا لا/ [٥٩/ب] يستنكف عن خدمته أو زيارته الوزير، ولا السلطان. وذلك يقتضي أن الملائكة أفضل من الأنبياء؛ لأن المسيح من أفضلهم، فإذا كانت الملائكة أفضل منه فغيره ممن هو أفضل منه بطريق أولى.
واعترض عليه بأنا لا نسلم صحة ما ادعيتم، سلمناه، لكن الآية إنما تضمنت تفضيل الملائكة المقربين على المسيح؛ فلا يلزم تفضيل غيرهم عليه، ولا تفضيل أحد من الملائكة على غيره من الأنبياء.
واعلم أن الآية شديدة الظهور في تفضيل الملائكة، ولها شواهد أخر من الكتاب والسّنّة