فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (٤١) [المائدة: ٤١] هذا حجة على المعتزلة في أن/ [١٣٩/ل] الله- عز وجل-يريد فتنة بعض الخلق أي: ضلالهم/ [٦٦ أ/م] ولا يريد تطهير قلوبهم بالإيمان والهدى، فيمتنعان منهم، والآية فيه واضحة غنية عن البيان بتقرير البرهان.
﴿سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (٤٢) [المائدة: ٤٢] هذا مخصص لعموم قوله-عز وجل-: ﴿إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً﴾ (١٠٥) [النساء: ١٠٥] خص في أهل الكتاب بهذه الآية حيث خير في الحكم بينهم، فأما الحكام بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم فهل يلزمهم الحكم بين أهل الذمة إذا ترافعوا إليهم؟ فيه خلاف وتفصيل.
﴿وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ (٤٣) [المائدة: ٤٣] يحتج اليهود بهذا على صحة توراتهم إلزاما للمسلمين، لأن القرآن قد صرح بأن فيها حكم الله، وكل ما فيه حكم الله فهو حق معتبر؛ فالتوراة حق معتبر.
وجوابه: أن معنى ﴿فِيها حُكْمُ اللهِ﴾ أي بعضه أو حكم خاص كحكم الزانيين الذين كانت فيهما القصة، ونحن لا ندعي تحريف جميعها، بل ما نلزمهم به الحجة من صفات محمد صلّى الله عليه وسلّم ونحوه، ولا يلزم من تضمنها بعض حكم الله أن يكون جميعها حقا معتبرا، وإنما يلزم ذلك أن لو قال: «في جميعها حكم الله». أو: «فيها جميع»، أو: «كل حكم الله»، لكنه لم يقل ذلك، ثم قوله: وكل ما فيه حكم الله فهو حق معتبر-غلط أو مغالطة؛ لأن قولنا: ﴿فِيها حُكْمُ اللهِ﴾ ظرف ومظروف فالمظروف الذي هو حكم الله هو الحق المعتبر، أما الظرف الذي فيه الحكم فجاز أن يكون حقا وباطلا، ولو صح ما ذكرت لكان إذا تحقق أن في الإنجيل أو كتاب المجوس ونحوه حكما واحدا حقا هو حكم الله-عز وجل-


الصفحة التالية
Icon