﴿وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اُعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾ [المائدة: ٧٢] هذا اعتراف منه بأنه عبد مربوب، وقد نطق الإنجيل الذي/ [٦٩/أ] بأيدي النصارى بمثل هذا، وحينئذ يقال: المسيح مربوب، ولا شيء من المربوب بإله، فالمسيح ليس بإله. أما الأولى فبنص القرآن والإنجيل، وأما الثانية فبالاتفاق، لكن النصارى زعموا أن المربوب ناسوته لا لاهوته، فلا ينتج الدليل المذكور إلا سلب الإلهية عن الناسوت/ [١٤٦/ل] لا عن جملة المسيح.
وجوابه: أن النص دل على مربوبية المسيح، والمسيح هو مجموع الجملة المركبة من كثيفه ولطيفه، وذلك ينفي أن يكون فيه لطيفا غير مربوب، فينتفي أن يكون فيه شيء من اللاهوت، على أن دعوى حلول اللاهوت فيه باطلة ممنوعة.
﴿مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النّارُ وَما لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ﴾ (٧٢) [المائدة: ٧٢] فيه إثبات العذاب الحسي في المعاد خلافا للنصارى والفلاسفة؛ إذ قالوا: لا عذاب إلا العقلي، وهو البعد عن الله-عز وجل-ونحوه مما سبق، وهذا نص من المسيح على خلاف ذلك، وقد وافق عليه الإنجيل؛ إذ حكي فيه أن المسيح أمر بعض أتباعه بالخروج عن ماله، ثم قال: الحق أقول لكم: من ترك في هذه الدار زوجة أو زرعا أو مالا فله في الآخرة خير من ذلك. أو كما قال. وهو قاطع في إثبات النعيم الحسي فكذا العذاب المقابل له.
﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاّ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ (٧٣) [المائدة: ٧٣] قد سبق أنهم يريدون بذلك ثالث ثلاثة أقانيم، وهي: الأب، والابن، وروح القدس، وأن كل واحد من هذه الثلاثة إله كامل بالحد والحقيقة، وأنهم مع ذلك ليسوا ثلاثة آلهة، بل إله واحد، وإن ذلك تناقض وتخليط.
وأما عامة الناس فيظنون أن مرادهم بالثلاثة: الله، ومريم، والمسيح، وليس كذلك.
ووجه كفرهم إشراكهم؛ إذ مقالتهم المذكورة واعتقادهم يلزمه الشرك قطعا، وكذلك نوقضوا بإثبات التوحيد بقوله-عز وجل-: ﴿وَما مِنْ إِلهٍ إِلاّ إِلهٌ واحِدٌ﴾ [المائدة:
٧٣] ثم توعدوا على كفرهم بأن قيل: ﴿وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمّا يَقُولُونَ﴾ [المائدة: ٧٣]


الصفحة التالية
Icon