لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ (١٩) [الأنعام: ١٩] هذا قاطع في جواز تسمية الله عز وجل شيئا، خلافا لبعض المعتزلة والشيعة. لنا أن معنى هذا الكلام: قل الله أعظم شيء أو أعظم الأشياء شهادة/ [١٥٦/ل]. وأفعل التفضيل إنما يضاف إلى ما هو بعضه، ثم ينتظم القياس هكذا: الله أكبر شهادة، والأكبر شهادة شيء، فالله-عز وجل- شيء، ولأن الشيء لغة هو الموجود، والله-عز وجل-موجود، فالله-عز وجل-شيء.
احتج الخصم بأن الله-عز وجل-لو كان شيئا لأشبه الأشياء، ولو من جهة تسميته، وكونه شيئا، وكل ما أشبه الأشياء من جهة ما، فله حكمها وهو الحدوث. وذلك يوجب أن يكون الله-عز وجل-حادثا، وأنه محال.
والجواب: أن هذا بعينه لازم في كونه موجودا، فإن أثبت كونه موجودا، ألزمك إثباته شيئا، وإلا لزمك اعتقاد أنه معدوم، أو خال من الأحوال، لا موجود ولا معدوم، أو موجود معدوم من جهة واحدة أو من جهتين، والكل محال.
﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى﴾ [الأنعام: ١٩] هذا دليل على عموم دعوة النبي صلّى الله عليه وسلّم لأن القرآن بلغ جميع العالم، ولا أحد ممن بلغه القرآن بخارج عن دعوته، فلا أحد من العالم بخارج عن دعوة القرآن.
فإن قيل: لا نسلم أن القرآن بلغ جميع العالم، بل في أقطار المعمورة من لم يسمع بالقرآن فضلا عن أن يبلغه، قلنا: هب أنا سلمنا ذلك تنزلا لكن المراد: ومن بلغه القرآن بالإمكان، وهو بالغ جميع العالم بالإمكان، كأنه قال: لأنذركم به، ومن بلغه بالقوة أو الفعل، أو من بلغه أو أمكن أن يبلغه، وذلك يستغرق العالم.
﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ﴾ (١٩) تضمنت نفي الشرك وإثبات التوحيد، وسيأتي برهانه إن شاء الله-عز وجل.