﴿فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ (٤٤) [الأنعام: ٤٤] هذا هو حقيقة الاستدراج، وهو ضرب من ضروب القدر، بل بحر من بحاره، غرق فيه الخلائق إلا من تداركه الله- عز وجل-فأنقذه منه أو حفظه ابتداء عنه.
﴿فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ (٤٥) [الأنعام: ٤٥] يحتمل أمرين:
أحدهما: أن الظالمين هلكوا/ [١٦٣/ل] والله-عز وجل-باق يستحق الحمد أزلا وأبدا، فتكون هذه راجعة إلى صفة البقاء الأزلي الأبدي.
والثاني: أن الظالمين لما هلكوا، كان هلاكهم نعمة من الله-عز وجل-يستحق الحمد عليها، إذ هلاك الظالم راحة للناس، فهو مستريح ومستراح منه.
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ اُنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ﴾ (٤٦) [الأنعام: ٤٦] هي من دلائل التوحيد من جهة الأفعال وكمال القدرة والتصرف. وتقريره: أن الله عز وجل- هو المتصرف في سمعكم وأبصاركم وقلوبكم بالأخذ والرد، وكل متصرف في ذلك فهو الإله فالله-عز وجل-/ [٧٧ أ/م] هو الإله.
بيان الأولى: أن هذا التصرف ممكن، وكل ممكن مقدور لله-عز وجل-فهذا التصرف مقدور لله-عز وجل.
بيان الثانية: أن المتصرف في ذلك يجب أن يكون تام القدرة، وكل من وجب أن يكون تام القدرة فهو الإله.
﴿قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ﴾ (٥٠) [الأنعام:
٥٠] يحتج به من يرى الملائكة أفضل من الأنبياء، وقد سبق ذلك، وتقريره هاهنا أن الكفار كانوا يعتقدون أن الملك أفضل من النبي، ولهذا طلبوا رؤية الملائكة، وأن يرسل إليهم ملك، ثم إن النبي صلّى الله عليه وسلّم أقرهم على هذا الاعتقاد، وقال: أنا لا أدعي أني ملك كما تعتقدون في الملك، بل أنا بشر أتبع ما يوحى إليّ، وحينئذ يقال: النبي صلّى الله عليه وسلّم أقرهم على


الصفحة التالية
Icon