لذلك؛ فمنه: ﴿وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُها﴾ [الأنعام: ٥٩] إلى آخر الآية من الغيوب الكلية والجزئية.
واختلف في المقتضي لعموم علمه؛ فقالت المعتزلة: هو ذاته لا لصفة زائدة، وقال الجمهور: هو العلم، وهو صفة قائمة بذاته زائدة على مفهومها، وقد سبق ذلك.
قوله-عز وجل-: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (٦٠) [الأنعام: ٦٠] أي بالنوم، سماه وفاة بجامع تعطل الحس فيهما، ومن ثم قيل: النوم أخو الموت، وقد جاء في بعض كتب الأولين: أن الأرواح تعرج إلى الله-عز وجل-في حال النوم، فيلقي إليها من أمره [ما يشاء] فإذا عادت إلى الأجسام ألقت ذلك إلى النفوس والقلوب، فحركت له الأعضاء والجوارح.
وإن ثبت هذا فلعله المراد بخلق الدواعي والصوارف، وعند الفلاسفة أن النفس عالم علوي مطبوع على حب إدراك العلوم والحقائق، لكنه تعلق بهذا البدن الطبيعي قسرا على جهة التدبير له، فهي مشغولة به حالة اليقظة، فإذا كان النوم تجردت، وإلى عالمها العلوي توجهت؛ لاقتناص المطالب العلمية؛ وتحصيل الحقائق الكشفية الغيبية، فتحصل من ذلك بحسب قوتها واستعدادها، وشبهوا النفس بامرأة مربية لولدها، فلا تزال مشغولة به ما دام يقظان فإذا نام انتهزت فرصة خلوتها وتوجهت إلى ما هو من/ [١٦٥/ل] همتها.
وقد اختلف في أن الروح والنفس شيء واحد، أو شيئان مختلفان، فإن صح أنهما شيئان، أمكن صحة القولين، أعني قول الفلاسفة في النفس، وما جاء في بعض الكتب القديمة في الروح، وتكون النفس تحصل العلوم والروح تأتي بالأمر بالمحتوم، وعلم ذلك تحقيقا عند الله-عز وجل.
﴿ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ﴾ [الأنعام: ٦٠] أي في النهار عن نوم الليل ﴿لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى﴾ [الأنعام: ٦٠] وهو أجل الحياة، ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ﴾ [الأنعام: ٦٠] بالموت ثم البعث ﴿فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (١٠٥) [المائدة: ١٠٥] أي ويجازيكم عليه، وهذه المسألة مركبة من أنواع من أصول الدين.


الصفحة التالية
Icon