١٤٨] خرج منهم مخرج الاستهزاء والتهكم والإلزام للنبي صلّى الله عليه وسلّم حيث أخبر بذلك، وهذا كما حكي عنهم في قوله عز وجل: ﴿وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ (٤٧) [يس: ٤٧] وشبيه بقوله-عز وجل-في المنافقين حين قالوا: ﴿إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ﴾ (١) [المنافقون: ١] فإنه لم يكذبهم في أن محمدا رسول الله، إذ ذاك حق نص عليه في سورة الفتح، وإنما كذبهم في دعواهم الشهادة بالرسالة إذا الشهادة قول مطابق للاعتقاد، وهم إنما قالوا ذلك قولا يخالفهم اعتقادهم؛ كذلك هاهنا كذبهم في دعواهم أنهم يعتقدون أن لو شاء الله ما أشركوا لا في نفس هذه القضية، لأنه قد نص عليها قبل هذا بآيات.
﴿وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا﴾ [الأنعام: ١٠٧] ﴿وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً﴾ [الأنعام: ١٠٧] ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاّ تَخْرُصُونَ﴾ (١٤٨) [الأنعام: ١٤٨] يقتضي أن الظن خلاف العلم؛ لأنه نفى أحدهما وأثبت الآخر لكن الظن في اللغة يشمل الاحتمال الراجح من غير جزم والاحتمال المتساوي. وعند الأصوليين الأول: ظن، والثاني: شك.
﴿قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ (١٥٠) [الأنعام: ١٥٠] يستدل به على أن العالم بشهود الزور يحرم عليه موافقتهم حاكما كان أو شاهدا أو مشهودا له أو عليه، أو غيرهم، خلافا للمسألة المشهورة عن أبي حنيفة: في أن شاهدي زور لو شهدا أن فلانا مات، جاز لآخر أن يتزوج امرأته مع علمه بكذبهما، وحل له وطؤها؛ لأن عنده الحاكم منشئ للأحكام لا مثبت لها على وفق الواقع.


الصفحة التالية
Icon