وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٢٦) [الأعراف: ٢٦] تضمنت هذه الآية المجاز بمراتب، وذلك لأن المنزل عليهم ليس هو نفس اللباس إنما هو الماء المنبت للزرع المتخذ منه الغزل المنسوج منه اللباس، وصار ذلك كقول الراجز:
الحمد لله العظيم المنان … صار الثريد في رءوس العيدان
سمى السنبل في رءوس العصف الذي تحته ثريدا، وإنما يصير ثريدا بعد أن يحصد، ثم يدرس، ثم يصفى، ثم يطحن، ثم يخبز، ثم يثرد، سمى ابن السيد البطليوسي (١) هذا وأمثاله [مجاز المراتب]، وهو من غرائب مسائل المجاز.
﴿يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ (٢٧) [الأعراف: ٢٧] أضاف الفتنة إلى الشيطان مع قول موسى: ﴿وَاِخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا فَلَمّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنّا إِنْ هِيَ إِلاّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَاِرْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ﴾ (١٥٥) [الأعراف: ١٥٥] وقوله-عز وجل- ﴿وَكَذلِكَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشّاكِرِينَ﴾ (٥٣) [الأنعام: ٥٣] وتحقيقه ما سبق من أن فتنة/الشيطان بالوسوسة، وفتنة الله-عز وجل- / [٨٦ أ/م] بالتقدير، وخلق الدواعي والصوارف.
﴿إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ﴾ / [١٨٣/ل] ﴿مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ﴾ هذا من جملة الابتلاء والمحنة، وعظيم الفتنة، إذ لو رآهم بنو آدم لاحترزوا منهم كما يحترز بعضهم من بعض، ولكن صاروا كما قيل:
رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى … فكيف بمن يرمي وليس برامي
والسبب في أنهم يروننا ولا نراهم مادتهم نارية لطيفة، ومادتنا طينية كثيفة، والكثيف