الرجال، فلعل الأرض تجعل فيها حرارة كحرارة الرحم، ثم يتطور العالم في بطنها كتطوره في بطون الأمهات/ [١٨٤/ل]، والأرض تسمى أما، فلعله لذلك أو له ولغيره/ [٨٦ ب/م]، وبالجملة فالقدرة صالحة للتأثير بواسطة التطوير ودون التطوير.
الثاني: إثبات القدر أولا وآخرا، أي كما بدأ خلقكم مؤمنا وكافرا، ومهتديا وضالا، كذلك يعيدكم كما بدأكم، يشهد لذلك قوله عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (٢) [التغابن: ٢] وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله خلق خلقه في ظلمة، ثم رش عليهم من نوره؛ فمن أصابه ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضل» (١).
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «يبعث كل إنسان على ما مات عليه» (٢) أي من هدى وضلال وكفر وإيمان؛ دل على هذا الاحتمال قوله عز وجل: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَاُدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اِتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ (٣٠) [الأعراف: ٢٩ - ٣٠]، إشارة إلى افتراقهم في الهدى والضلال من البدء، ثم يعادون على ما بدئوا عليه من ذلك، وانظر إلى لطيف حكمته عز وجل في قوله: ﴿فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اِتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ (٣٠) [الأعراف: ٣٠] نسب الهدى إليه، إذ لا محذور فيه، ولم يقل: وفريقا أضل، بل قال: ﴿فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اِتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ (٣٠) [الأعراف: ٣٠] فأحال بضلالهم على علته الكسبية من جهتهم، وأشار إلى علتهم القدرية من جهته؛ فتحرر من ذلك أن علة ضلالهم مركبة من تقديره الجازم المتقادم، وكسبهم الآخر المتراخي، ولو شاء الله ما فعلوه، وإنما ألزموه شبهة في