إحداهما: نسخ الحكم إلى أخف منه؛ لأن ثبوت الواحد لاثنين أخف من ثبوته لعشرة، ويجوز أيضا إلى الأثقل والمساوي.
الثانية: قوله-عز وجل-: ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً﴾ [الأنفال: ٦٦] احتج بها هشام بن عمرو الفوطي من المعتزلة على حدوث علم الله-عز وجل-وأنه لا يعلم شيئا حتى يكون؛ استدلالا بقوله: ﴿خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً﴾ [الأنفال: ٦٦] عطف العلم على التخفيف ثم التخفيف حادث لتقييده بالآن، فكذا ما عطف عليه.
وجوابه: أن المعطوف إنما يشارك المعطوف عليه وجوبا في الإعراب ونحوه؛ أما في الأحكام العقلية فلا، وإنما معنى الآية: الآن خفف الله عنكم، وقد علم-أي في الأزل- أن فيكم الآن ضعفا عما كلفتموه فخففه/ [٩٨ ب/م] عنكم بالنسخ. غاية ما يلزم منه استعمال الفعل الماضي في موضع الحال بدون قد، وهو مذهب الكوفيين خلافا للبصريين، وشاهده: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اِعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً﴾ (٩٠) [النساء: ٩٠] مع شواهد أخر في كلام العرب. وعلى رأي البصريين] تكون قد مقدرة، ولعل هشاما بنى ذلك على جواز قيام الحادث بذات الله-عز وجل-أو على أنه يعلم بعلم حادث لا في محل كالإرادة عنده وعند أصحابه، وكلا الأمرين فاسد، وتأسيس بنيان جوار على شفا جرف هار.
﴿ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (٦٧) [الأنفال: ٦٧] يحتج بهما على أمرين:
أحدهما: أن الأنبياء/ [٢١١/ل] يجوز منهم الصغائر. الثاني: وقوع الخطأ منهم في الاجتهاد. ثم ينبهون عليه، وقد سبق هذا في سورة النساء.
والحق أن الأنبياء-عليهم السّلام-معصومون مطلقا، وما عوتبوا عليه، فإنما هو من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين، أو نحو ذلك والله-عز وجل-أعلم بالصواب.
...