وهو عام في مصائب الدنيا والدين غير أن ما لا كسب للعبد فيه، كالمرض والموت-لا لائمة عليه فيه، وما له فيه كسب كالمعاصي تلحقه فيه اللائمة باعتبار كسبه على ما عرف من رأى الكسبية والمجبرة.
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (٦٥) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ﴾ (٦٦) [التوبة: ٦٥ - ٦٦] قوله: ﴿قَدْ كَفَرْتُمْ﴾ [التوبة: ٦٦] يحتمل أنه إخبار عن كفرهم بأسباب معروفة، ويحتمل أنه إنشاء للحكم بكفرهم عقب استهزائهم/ [١٠٠ ب/م] فيحتج به على أن من استهزأ بالله أو رسول من رسله أو بشيء من كتبه المنزلة-كافر، ولا نعلم فيه خلافا.
﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ﴾ (٧٧) [التوبة: ٧٧] فيها إشارة إلى أن الكذب وخلف الوعد الحرام يعقب النفاق؛ [لأن هؤلاء عقبوا النفاق] بخلف الوعد والكذب، ويشهد له قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أربع من كن فيه فهو منافق، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق: من إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» وانظر إلى هذه المناسبة، وهي أن الأربع المذكورة فيها معنى النفاق من مخالفة الظاهر للباطن، وهو ظاهر في الثلاث الأول، وأما الرابعة فلأن الإنسان في حال/ [٢١٦/ل] اعتداله وعدم الخصومة يعتقد فيه تقوى وعفاف واقتصاد باطن، فإذا فجر في خصومته تبين ظاهره مخالفا لما اعتقد في باطنه.
﴿وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [التوبة: ٧٧] يستدل به على أن الجملة الشرطية خبرية يلحقها الصدق والكذب؛ لأن كذبهم وإخلافهم إنما هو في قوله: ﴿*وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصّالِحِينَ﴾ (٧٥) [التوبة: ٧٥] وهي قضية شرطية، وقد سمى تركهم مضمونها إخلافا وكذبا، وذلك من خواص الخبر فدل على ما قلناه.