[والثاني باطل؛ لأن] الموجد للعالم لو كان جزؤه الداخل في حقيقته لكان ذلك الجزء موجدا لنفسه، ويلزم المحال/ [١٤/ل] بعينه.
وإذا تعين أن الموجد للعالم خارج عن حقيقته، فذلك الخارج: إما قديم، [وإما] حادث، فإن كان قديما فهو المطلوب، وإن كان حادثا فالموجد له إن كان هو العالم لزم الدور؛ لتوقف كل واحد منهما على الآخر. وإن كان غير العالم: فإن انتهى إلى قديم فهو المطلوب، وإلا لزم التسلسل، وهو محال.
وهذه مسألة انتظمت الدلالة على وجود الصانع وقدمه، ولها مواقع أخر ربما تذكر فيها، إن شاء الله عز وجل.
قوله-عز وجل-: ﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ (٣) [الفاتحة: ٣]: اعلم أن الكلام في الله- عز وجل-في أصول الدين: إما في ذاته أو صفاته، أو أفعاله، والكلام هاهنا من قبيل الكلام في الصفات، ف ﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ (٣) [الفاتحة: ٣] مشتق من الرحمة، وقد اختلف فيها: فقيل: هي صفة فعلية بمعنى الإحسان إلى الخلق، والإحسان مخلوق لا يقوم بذاته-عز وجل-لاستحالة قيام الحادث بالقديم؛ يقال: رحم الطبيب المريض: إذا عالجه؛ لأن علاجه له إحسان إليه.
وقيل: الرحمة صفة ذاتية؛ أي: معنى قائم بذاته-عز وجل-كالعلم.
وقد اختلف الناس في هذا، وأن الله عز وجل-هل يجوز أن يقوم به صفات زائدة على مفهوم ذاته، وللكلام في ذلك موطن هو أليق به من هذا، والمقصود فيه أصرح.
ثم اختلف في أيهما أبلغ: فقيل: الرحمن؛ لأن بناء «فعلان» للمبالغة؛ نحو: غضبان للممتلئ غضبا، ونحوه.
وقيل: الرحيم؛ لأنه عدل به عن «فاعل» إلى «فعيل» وهو عدول عن صيغة الفاعل إلى بناء المفعول؛ فكان أبلغ، كما عدلوا عن عالم وقادر إلى عليم وقدير، وعن خاطب إلى خطيب، وعن قول بالغ إلى بليغ.
ولأن العرب إذا أرادت المبالغة عدلت بالشيء إلى ضده، تنبيها على شدة التفاوت بين المعدول والمعدول عنه؛ كما عدلوا في «عالم» إلى «علاّمة» بلفظ المؤنث، وفي «امرأة صابرة» إلى «صبور» بإسقاط علامة التأنيث وقالوا للغراب: أعور؛ لحدة بصره، و «رحم» إنما اسم الفاعل منه «راحم» فالعدول به إلى «رحيم» على «فعيل» الذي أصله للمفعول يدل على ما ذكرناه من المبالغة.