﴿إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ (٤٤) [يونس: ٤٤] يحتج بها المعتزلة على مذهبهم؛ لأنه لو خلق أفعالهم، ثم عاقبهم لكان [ظالما لهم] واللازم باطل.
وأجاب المجبرة بأنا لا نسلم ذلك، وإنما يلزمكم أن لو كان يعلم أنه لو فوض إليهم أفعالهم لخلصوا من اللائمة، أما وهو يعلم أنه لو فوض إليهم لكانوا ظالمين أيضا فلا.
والكسبية قالوا: إنما يلزم الظلم أن لو لم يكن لهم مع خلقه كسب، أما ولهم كسب يناسب العقاب عليه فلا.
﴿قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلاّ ما شاءَ اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ (٤٩) [يونس: ٤٩] أي فأملك لنفسي ضرا ونفعا بمشيئته هو لي كسب وله خلق، وإن كان الاستثناء منقطعا؛ فالنفي قبله عام مطرد.
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ﴾ (٥٩) [يونس: ٥٩] يحتج به وبنظائره على صحة الاستدلال بالسبر والتقسيم، وهو حصر الأقسام وإبطالها سوى المدعى عليه؛ مثاله هاهنا:
إنكم أيها الكفار حرمتم بعض/ [٢٢٤/ل] ما رزقتموه، فلا يخلو تحريمكم لذلك إما أن يكون بإذن شرعي أو افتراء منكم، والأول باطل؛ لأن الشرع خصمكم، وهو ينكر الإذن لكم فتعين الثاني، وهو أنكم حرمتموه افتراء [١٠٤ أ/م] على الله كذبا عليه، وما كان كذلك لا يلتفت إليه، وقد سبق نحو هذا في أواخر الأنعام.
﴿وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاّ كُنّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ [يونس: ٦١] هذا يحتج به الصوفية في وجوب دوام المراقبة لدوام الشهادة، وفي الأثر «اتقوا الله في الخلوات فإن الشاهد هو الحاكم»، وربما تعلقت الاتحادية بهذا على أنه شاهد بذاته، وما ذاك إلا لسريانه في العالم واستتاره باطنا بهم وظاهرا، وسياق الآية يقتضي أنه شاهد بعلمه وهو ﴿وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاّ كُنّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ﴾ (٦١) [يونس: ٦١].