القول في سورة يوسف
﴿إِنّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (٢) [يوسف: ٢] يحتج به من قال بقدم القرآن، وأنه منزل غير مخلوق، وعارضه الخصم بنحوه، ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (٢٥) [الحديد: ٢٥].
و﴿إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (٣) [الزخرف: ٣]، والحديد مخلوق، مع أنه منزل، وكل مجعول مخلوق، وقد وقعت المناظرة في هذا بين عبد العزيز المكي وبشر المريسي على ما ذكر في كتاب «الحيدة».
﴿إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ﴾ (٤) [يوسف: ٤] يحتج به على أن النجوم في الرؤيا تدل على قوم أشراف، وذكر في «التوراة والسير» أن يوسف رأى مع رؤية النجوم رؤيا أخرى، وهي أنه رأى كأنه وإخوته احتطبوا حطبا، وربطوا حزمهم وأقاموها ليرفعوها؛ فجاء حزم إخوته حتى سجدت لحزمته، وهي كرؤيا النجوم في التأويل.
﴿وَقالَ الَّذِي اِشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (٢١) [يوسف: ٢١].
أي إذا أراد أمرا غلب عليه وفعله نحو ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾ (٣) [الطلاق:
٣] ويحتج به الجبرية، لأن مقتضاه: أنه إذا أراد فعلا أو حالا من إنسان غلب عليه، وإذا غلب عليه كان الإنسان مجبورا عليه قطعا.
وقيل: غالب على أمره يوسف يدبره وينصره ويحسن عاقبته، والأول أظهر.
﴿وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: ٢١] أي لا يعلمون أن الله غالب على أمره؛ لغلبة أحكام الحس عليهم، فإذا لم يدركوا ذلك بحسهم لم يعلموه، إنما يعلمه أقلهم ممن جاوز حكم الحس إلى حكم العقل نظرا واستدلالا، أو كشفا واطلاعا، كما