القول في سورة الرعد
﴿اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اِسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ﴾ (٢) [الرعد: ٢] المشهور أن معناه ترون السماء بغير عمد؛ لأنها كرة مستديرة لا حاجة إلى عمد، قيل: لا عمد لها ترونه، فيفهم أن لها عمدا لا ترى، وليس بشيء؛ إذ كونها بغير عمد أدل على القدرة والحكمة.
﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اِثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (٣) [الرعد: ٣] أي جعل كل واحد منهما يغشى صاحبه، وسبب ذلك دوران الشمس في فلكها؛ فإذا غابت حالت الأرض بينها وبين الفضاء فأظلم فكان الليل، وإذا طلعت قابلت الفضاء فأضاء، فكان النهار.
﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ (٤) [الرعد: ٤] يحتج بها المتكلمون على أن الله-عز وجل-يفعل بالقدرة والاختيار لا بالطبع والإيجاب خلافا للفلاسفة، ووجهه أن الشجر إذا سقي بماء واحد فلو كان المؤثر فيه فاعلا بالطبع لاتفق في الأكل؛ لأن الماء واحد وأثر الطبع يتحد؛ فيتعين الاتفاق في الأكل، فلما اختلف أكله مع اتحاد الماء دل على أن/ [٢٤١/ل] اختلافه من جهة اختيار الصانع.
فإن قيل: لعل اختلاف الثمار في طعومها وألوانها من قبيل اختلاف طبائع الشجر، أو اختلاف القوابل كالشمس تفعل بالطبع، وهي تبيض الثوب/ [١١٢ أ/م] وتسود وجه القصار.
فالجواب: لا نسلم أن الشمس تفعل بطبعها، ولا الماء ولا النار [يفعل شيئا] من ذلك بطبعه، بل هذه الأشياء أسباب، والفاعل الخالق وهو الله-عز وجل-ثم إن اختلاف الطبائع والقوابل بفعل الله-عز وجل-إذ هو خالق كل شيء. وذلك يدل على الفاعل المختار، وإلا لاتحدت الطبائع والقوابل أيضا.