برد الهواء اجتمع وتكاثف؛ ثم انعصر؛ فنزلت رطوبته مطرا، والصواعق نار تتكون عن الدخانية المتراقية من الأرض.
﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ﴾ (١٤) [الرعد: ١٤] أي هو المدعو إلها حقا لا غيره، وما دعي من دونه كالأصنام ونحوها ليست آلهة؛ لأنها لا تستجيب ولا تنفع، وقد سبق نظم الدليل على ذلك.
﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهّارُ﴾ (١٦) [الرعد: ١٦] يحتج بعمومه على أنه-عز وجل- خالق الأفعال من خير وشر وطاعة ومعصية، وتقريره أن أفعال العباد شيء، وكل شيء مخلوق لله-عز وجل-؛ فأفعال/ [١٢٢ ب/م] العباد مخلوقة لله-عز وجل-والخصم يدعي تخصيص الثانية بما سوى المعاصي بدليله العدلي زعم، والصواب طرد العموم فيها، تصحيحا لرأي الجمهور.
﴿وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهّارُ﴾ [الرعد: ١٦] أي واحد لا خالق معه، ولا شريك، قهار لمن سواه على ما يريد منه بخلق الدواعي والصوارف، ونحو ذلك من الأسباب الغالبة، ومع ذلك فله الحجة البالغة، ويحتج على المعتزلة أيضا بقوله-عز وجل-: ﴿أَمْ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ﴾ [الرعد: ١٦] ولو صح ما قالته المعتزلة من أن الناس خالقون لأفعالهم، لكان له شركاء يخلقون كخلقه، وإنه محال.
[وأجاب الخصم بأن الخلق على ضربين، خلق أعيان وخلق أعراض؛ فخلق الأعيان وبعض الأعراض كالألوان ونحوها مختص بالله-عز وجل-فإثباته لغيره هو الكفر والشرك الذي أنكره في الآية، وخلق بعض الأعراض، وهي أفعال الحيوان غير مختص به بل يشاركه فيه الناس، وذلك ليس بشرك وهذا كما أن معلوماته ضربان:
أحدهما: اختص به كالغيوب.
والثاني: مشروك فيه معلومات البشر].