لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٠) [إبراهيم: ١٠] وقومهم سألوهم آيات ومعجزات محسوسة ظاهرة قاطعة، قلنا: عرف القرآن في بينات الرسل أنها المعجزات القاطعة للحجة المثبتة للنبوة، وقد تضمنت الآية أن هؤلاء الرسل جاءوا قومهم بالبينات، وأما الاستدلال بخلق السماوات والأرض فنافلة وزيادة على المعجزات، كما أن نبينا صلّى الله عليه وسلّم جاء بمعجزات كثيرة، ثم كان ينبههم على الحق بالإشارات النظرية، وقد تضمنت هذه القصة جدالا ومناظرة من الرسل لقومهم، واحتجاجا بينا منهم على ما قررناه، وفي ذلك/ [٢٤٥/ل] ما يدل على شرف العلوم النظرية، [ووجوب استعمالها عند الحاجة إليها.
﴿يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ﴾ (١٧) /١١٤ أ/م] [إبراهيم: ١٧] ليس هذا تناقضا؛ لأن سلب الموت حقيقة وإثباته مجاز، ولا تعارض بينهما.
﴿وَبَرَزُوا لِلّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا إِنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ﴾ (٢١) [إبراهيم: ٢١] يحتج به الجمهور على أن هداية العبد من الله-عز وجل-لا من نفسه، وأنها تمتنع إذا لم يردها الله عز وجل.
وربما أجاب المعتزلة بأن هذه حكاية كلام الكفار في الكفار وقد كانوا جبرية مثلكم، فلا حجة فيه؛ لأنكم احتججتم علينا بعين مقالتكم، ونحن كما لم نسلمها في دار التكليف، لا نسلمها في دار الجزاء؛ لأنها باطلة، والباطل لا يتعين حقيقته باختلاف المواطن.
ويجاب عنه بأن هؤلاء الكفار لما صاروا في دار الحق، صار كلامهم حجة لوجهين:
أحدهما: أن دار الحق لا يقع فيها إلا حق.
الثاني: أن الله-عز وجل-حكاه عنهم غير منكر له منهم، بل مقر لهم عليه، وحسبك بما لم ينكره الله-عز وجل-أن يكون معروفا، وبما يقر عليه ألا يكون منكرا.