﴿فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ﴾ (٢٩) [الحجر: ٢٩] يحتج بها من رأى قدم الروح، ويحكى عن أهل جيلان، وحجتهم أنه أضاف الروح إليه، فدل على أنها روح ذاته، وأيضا أن الملائكة لم يؤمروا بالسجود لآدم قبل حلول الروح فيه وأمروا بالسجود له بعد ذلك، والسجود إنما يكون للقديم؛ فدل على أنه الروح القديم حل فيه حتى استحق أن يسجد له.
وجوابه أن إضافة/ [٢٤٦/ل] الروح إليه إضافة تشريف، وإلا لزم ما قالته النصارى في المسيح للنص على أنه كلمة الله وروح منه، وللإجماع على أنه روح الله، وأما السجود فإما أن يقال: إنه لله-عز وجل-وآدم قبلة له، أو يكون لآدم وهو سجود تحية لا عبادة كسجود أبوي يوسف وإخوته له.
﴿قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾ (٣٧) [الحجر:
٣٦ - ٣٧] يحتج به الجمهور على أن الله-عز وجل-لو لم يرد إضلال بعض الناس وإهلاكهم وإغواءهم، لما أجاب إبليس إلى هذا السؤال، ومن زعم أن حكيما أو غيره يحصر قوما في دار، ويرسل فيها النار العامة أو الأفاعي القاتلة الكثيرة، ولم يرد أذى أولئك القوم بالإحراق أو اللسع، فقد خرج عن فطرة البشر.
﴿قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ (٣٩) [الحجر:
٣٩] سبق ذكره في الأعراف.
﴿قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ (٤٠) [الحجر: ٣٩ - ٤٠] / [١١٥ ب/م] تزيين الشيطان وإغواؤه بالوسوسة، وإنما يتم ذلك بقدر الله-عز وجل-وخلقه الدواعي والصوارف.
﴿إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاّ مَنِ اِتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ﴾ (٤٢) [الحجر:
٤٢] يحتج به من أجاز استثناء الأكثر مع قوله: ﴿قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ (٤٠) [الحجر: ٣٩ - ٤٠] فاستثنى تارة المخلصين من عموم العباد، وتارة الغاوين من عموم المخلصين، وأيهما كان أكثر لزم استثناء الأكثر.
وأجيب بأن استثناء المخلصين من عموم العباد استثناء الأقل، وأما استثناء الغاوين من


الصفحة التالية
Icon