بمناظرة القاضي عبد الجبار وأبي إسحاق المذكورة عند قوله-عز وجل-: ﴿وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ (٢٨) [الأعراف: ٢٨].
وتوجيهها: أن العتابي قال لأبي تمام: إن الملام لا ماء له فكيف استجزت استعارته؟ ! فقال له أبو تمام: فإن الذل لا جناح له/ [١٢٤ أ/م] فكيف استجيز استعارته في القرآن.
واعلم أن المؤاخذة على أبي تمام ليست في نفس الاستعارة، وإنما هي/ [٢٦٢/ل] في حسنها وتمامها وتطبيق المفصل بها، وليست استعارته في ذلك كاستعارة جناح الذل، وبينهما بون بعيد يدرك ذلك حسا وعقلا، وإن شئت تحقق ذلك فتخيل الذل طائرا خفض جناحه، وتخيل الملام ماء في وعاء نخيل تجد الأول أسرع والنفس إليه أبدر، واستقصاء الكلام في هذا غير هاهنا.
﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً﴾ (٢٩) [الإسراء: ٢٩] شاهد على مدح التوسط، وذم الانحراف والتطرف.
﴿إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً﴾ (٣٠) [الإسراء: ٣٠] وكيفية ذلك بتقدير الأسباب المفيدة للرزق ومنعها: وهي بيد الله-عز وجل-وذلك ظاهر، وعلل ذلك بما تضمنه قوله-عز وجل-: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً﴾ (٣٠) [الإسراء: ٣٠] وهو أن فيهم من لا يصلحه إلا بسط الرزق، وفيهم عكس ذلك، فهو يراعى بذلك مصلحة من يشاء منهم، تفضلا منه من حيث لا يعلمون، ولا يشك عاقل أن قارون لو كان فقيرا لكان أقرب إلى صلاحه، وأن السارق وقاطع الطريق لاضطرار الفقر له إلى ذلك لو كان موسرا لكان أقرب إلى صلاحه.
﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً﴾ (٣١) [الإسراء: ٣١] مفهوم خرج مخرج الغالب فلا يعتبر.
﴿وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً﴾ (٣٦) [الإسراء: ٣٦] احتج به من رأى الظن نوع علم، لأنه صلّى الله عليه وسلّم نهى عن اتباع غير العلم، ثم إنه كان يحكم بالظن المستفاد من البينة واليمين وخبر الواحد ونحوه.