[الإسراء: ٥٢] اعلم أن الأجساد للأرواح كالثياب للأجساد، وكما أن جماعة عراة إذا صاح بهم صائح بادر كل منهم إلى ثوبه فلبسه، ثم أجاب الصائح، كذلك الموتى تتجرد أرواحهم، ثم تبلى أجسادهم فإذا أريد بعثهم أعيدت الأجساد كما كانت، وقد دللنا على إمكانه ووقوعه، ثم بادر كل روح إلى جسده فلبسه، ثم أجاب داعي البعث، وكما خلق الله-عز وجل-الجسم بالتطوير والتصوير من نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى آخرها، فهو قادر على إعادته بدون ذلك، كما أنه خلق بني آدم بالتطوير ومن قبلهم خلق آدم بدونه، فالقدر المشترك في ذلك كله وغيره هو القدرة/ [٢٦٥/ل] التامة، وما زاد فهو كالآلات لا ينبغي أن يوقف معه، فهذه حقيقة البعث إن شاء الله-عز وجل.
﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً﴾ (٥٤) [الإسراء: ٥٤] مورية لزناد الجبرية، حيث قالوا: إنه-عز وجل-علم أنه لو فوض إلى العاصي عمله لكان معصية، فجبر على ما لو فوض إليه لفعله كما تقرر في/ [١٢٥ ب/م] المقدمة، وبيانه من الآية أن المعنى الظاهر منها ربكم أعلم بكم، لو فوض إليكم خلق أفعالكم، ماذا كان يكون فهو يرحم ويعذب بحسب ذلك العلم.
﴿وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً﴾ (٥٥) [الإسراء: ٥٥] دلت على أن بعضهم أفضل من بعض في الحقيقة، وأما نحن فنهينا عن التفضيل بينهم لما عرف من إيهام ذلك غضّا من المفضول، فقد جاء في الحديث «لا تفضلوا بين الأنبياء» (١).
﴿قُلِ اُدْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً﴾ (٥٦) [الإسراء: ٥٦] هو من أدلة التوحيد، ونفي الشرك، وقد سبق نظيره في غير موضع.
﴿أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً﴾ (٥٧) [الإسراء: ٥٧] معناه:
أن آلهتكم التي تدعونها شركاء عبيد لله-عز وجل-ضارعون يطلبون القرب إليه ويرجونه ويخافونه، ولا شيء ممن هو كذلك بإله.