تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ (٤١) [الأنعام: ٤١] ونحوه.
﴿أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً﴾ (٦٩) [الإسراء: ٦٩] أي في البحر، وهذا مما يحتج به على أن كسب الإنسان مخلوق لله-عز وجل-والإنسان مجبور؛ لأن الله- عز وجل-نسب إعادتهم إلى البحر إليه شاءوا أم أبوا، وذلك إنما يكون بما يجبرهم به على ذلك من خلق الدواعي والصوارف، فإن الإنسان يرى من هول البحر ما يزعجه جدا حتى/ [٢٦٨/ل] [يعزم، وربما حلف الأيمان المغلظة أنه لا يعاود ركوبه، ثم يكذبه الله- عز وجل-] ويرغمه ويضطره إلى ركوبه خاسئا [مخشوشا بخشاش] القدر كالجمل الذلول، لا يمكنه أن يمتنع، وهو دليل على ما ذكرناه.
﴿* وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً﴾ (٧٠) [الإسراء: ٧٠] يحتج بها من فضل الملائكة على بني آدم لأنهم/ [١٢٧ أ/م] إنما فضلوا على كثير من المخلوقات لا على جميعها، والإجماع على تفضيلهم على من عدا الملائكة، فدل هذا على أنه لم يفضلوا على الملائكة، ثم إذا انضم إلى هذا الحديث الصحيح: «ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم» تم الاستدلال على الملائكة أفضل من بني آدم.
﴿وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً﴾ (٧٤) [الإسراء: ٧٤] هاهنا مسائل:
الأولى: أن العصمة تثبيت وصرف عن المعصية بما يخلق في النفس من شدة الخوف وغيره من الأسباب، بدليل ﴿وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً﴾ (٧٤) [الإسراء: ٧٤] ﴿قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ﴾ (٣٣) [يوسف: ٣٣]، وليست العصمة امتناع وقوع المعصية عقلا، وإلا لما ظهرت فضيلة التقوى أبدا، ولتعذر ابتلاء أحد بالمعصية؛ إذ الممتنع عقلا لا يدخل تحت المقدورية.
الثانية: [أن عصمة الأنبياء إما هي من وقوع المعصية والكفر لا من جواز ذلك؛ لأن الله -عز وجل-أخبر نبيه صلّى الله عليه وسلّم أنه هو الذي ثبته عن الركون إلى الكفار بالافتراء على الله بغير


الصفحة التالية
Icon