وتغليظ؛ إذا كان الروح يقال بالاشتراك على روح الإنسان وجبريل وملك آخر يقال له:
الروح، وصنف من الملائكة/ [٢٦٩/ل]، والقرآن، وعيسى ابن مريم كل واحد من هذه الستة [يسمى روحا]، فقصد اليهود أن يسألوه فبأي مسمى أجابهم، قالوا: ليس هو الذي قلت: فجاءهم الجواب مجملا [كما سألوا مجملا] ﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً﴾ (٨٥) [الإسراء: ٨٥] وأمر ربي يصدق على كل واحد من مسميات الروح، فكان هذا الإجمال كيدا [قوبل به] كيدهم.
قوله-عز وجل-: ﴿قُلْ لَئِنِ اِجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾ (٨٨) [الإسراء: ٨٨] هذه أعظم آيات التحدي بالقرآن، لأن بعض هذا مما يوفر دواعي الخصوم على طلب الإتيان بمثله، فلو كان ذلك في وسعهم لفعلوه بالضرورة عادة، لكنهم لم يفعلوا، ولم يأتوا بمثله، ولا بعشر سور مثله، ولا بسورة مثله، فدل على عجزهم عن معارضته مع كثرتهم وتمكنهم في الفصاحة والبيان، وذلك يقتضي كونه معجزا؛ إذ لا معنى للمعجز إلا أمر ممكن خارق للعادة مقرون بالتحدي خال عن المعارض، وهذه الصفات موجودة في القرآن فكان معجزا مع أن المتحدى به هاهنا هم الجن والإنس، وكل ما عجز عنه الجن والإنس معجز: بالطرد في معجزات الأنبياء، وبالعكس في غيرها؛ إذ كل أمر غريب ليس بمعجز فإن مجموع الجن والإنس لا يعجزون عن مثله.
ثم إن اليهود والنصارى وغيرهم من الخصوم [ألفوا] شكوكا على إعجاز القرآن إيرادها يطول، وقد أفرد في ذلك كتب.
وهاهنا مسألتان: إحداهما أن تحدي الجن والإنس به يدل على دخولهم تحت دعوته، وأنه صلّى الله عليه وسلّم مرسل إلى الجن والإنس، إذ لم تنتظمهم دعوته لما تحداهم بكتابه كما لم يتحد به الملائكة والشياطين والبهائم، ولأن العجز عن معارضة المعجز كالنكول عن اليمين، وذلك مستلزم لحكم الدعوى.
الثانية: احتج بالآية من رأى خلق القرآن؛ لأنها تضمنت إثبات مثل للقرآن، حيث طولبوا بالإتيان بمثله، وأخبروا بالعجز عن مثله، وكل ما له مثل فهو مخلوق، وسئل بعضهم: ما الدليل على خلق القرآن؟ فقال: قدرة الله على مثله، ومعناه أن الله-عز وجل-إن لم يقدر على مثل القرآن لزم التعجيز، وإن قدر على مثله لزم أنه مخلوق،