يضل بعض الخلق ثم يحشرهم يوم القيامة إلى جهنم مع أنه في ذلك ليس بظالم لهم؛ فدل على ما قلناه من أنه عاملهم على ما علم منهم على تقدير التفويض إليهم.
وقد حكى ابن خميس في كتاب مناقب الأبرار في ترجمة الجنيد قال: ناظرت قدريا فاشتد بيني وبينه الكلام وقام مصرا على رأيه، فلما كان الليل رأيت إنسانا يقول لي: ما ينكر هؤلاء القدرية أن الله-عز وجل-علم ممن عصاه من خلقه أنه لو فوض إليهم لعصوه، فجبرهم على وفق الواقع منهم، لو فوض إليهم ثم عاقبهم على تقدير ذلك، أو كلاما هذا معناه بعينه، وهذا/ [١٢٨ ب/م] هو سر القدر الذي قررناه في المقدمة، وكنت أظن أن أحدا لم يسبقني إليه حتى رأيت حكاية الجنيد هذه.
﴿ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً﴾ (٩٨) [الإسراء: ٩٨] هذا إنكار منهم للبعث واستبعاد أو إحالة له.
﴿* أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظّالِمُونَ إِلاّ كُفُوراً﴾ (٩٩) [الإسراء: ٩٩] / [٢٧١/ ل]، دليل جواز البعث، وتقريره: أن خلق السماوات والأرض أعظم من إعادتكم وبعثكم، فالقادر على ذلك؛ قادر على بعثكم بطريق أولى، وإنما قلنا ذلك لأن خلق السماوات والأرض أعظم من ابتداء خلقكم، وابتداء خلقكم أعظم من إعادتكم، ينتج خلق السماوات والأرض أعظم من إعادتكم.
بيان الأولى: قوله تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (٥٧) [غافر: ٥٧] بيان الثانية: قوله-عز وجل-: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (٢٧) [الروم: ٢٧] وإن شئت فاعكس، واستدل بالأهون فقل:
إعادتكم أهون من ابتدائكم، وابتداؤكم أهون من خلق السماوات والأرض، فإعادتكم أهون من خلق السماوات والأرض، والأهون من الأهون أهون، فالقادر على الأعظم الأصعب يكون على الأيسر الأهون أقدر بالضرورة.
﴿*أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظّالِمُونَ إِلاّ كُفُوراً﴾ (٩٩) [الإسراء: ٩٩] يحتج به