وعكسه من اعتقد أنه يفعل ما اختار من غير توقف على إرادة القادر المختار، فذلك من المشركين الكفار إما حقيقة كعبدة الأوثان، أو مجازا كالقدرية المحادين للرحمن.
ومن ثم قال الفقهاء: إذا حلف على يمين فقال: إن شاء الله، فإن شاء فعل وإن شاء ترك، ولا حنث عليه؛ لأنه أعطى [المشيئة حقها من الأدب، بخلاف ما إذا لم يستثن، فإن تألى فأكذب، ثم بالكفارة] عوقب، وقد عود بعض الناس أنه إذا قال: أفعل كذا إن شاء الله-عز وجل-وفق لفعله غالبا وإلا فلا.
﴿وَاِصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاِتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾ (٢٨) [الكهف: ٢٨] يحتج به الجمهور في أن الله-عز وجل -هو الذي يغفل من شاء عن ذكره ويضله وينسيه ونحو ذلك، وتأوله المعتزلة على معنى:
أصبناه غافلا، على ما عرف من تأويلهم.
﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ﴾ (٢٩) [الكهف: ٢٩] يحتج به المعتزلة على أن العبد مختار تام الاختيار؛ لأنه خيره بين الإيمان والكفر، وعلق ذلك بمشيئته، فلو لم يكن والحالة هذه مختارا لكان ذلك تكليف ما لا يطاق، إذ حاصله أنه يتوعده توعد مختار ويسخره تسخير مجبر مكره، والجمهور تأولوا هذا على أنه أمر تهديد نحو: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اِعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (٤٠) [فصلت: ٤٠]، والإلزام باق عليهم إذ لو لم يكن مختارا لما تهدده، وليس لهم إلا الرجوع إلى أصلهم من أنه مختار من حيث الكسب، مجبر من حيث خلق الفعل فيه على وجه لا يمكنه التخلص منه، أو على تفويض الجبرية، وهو أن هذا التخيير على تقدير ذلك التفويض، أي لو فوض إليه التفويض التام حتى كان مختارا بالحقيقة لكان منه ما وقع بالجبر من خير أو شر وإيمان أو كفر.