قال [يحيى؛ تبرئة وتنزيها لمريم عما رميت به من السوء، وكان كلامه هذا معجزا خارقا] للعادة آمن به من آمن وكفر به من كفر.
﴿ما كانَ لِلّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ (٣٥) [مريم: ٣٥] أي يمتنع ويستحيل عليه لما مر ﴿ما كانَ لِلّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ (٣٥) [مريم: ٣٥] إشارة إلى أن عيسى مخلوق له لا ولد، وفى هذا إشارة/ [١٣٣ ب/م] إلى أن الولادة تنافي الخالقية بحيث إن الوالد لا يخلق الولد؛ لأنه نفى الولدية وأثبت الخالقية، فلو جاز اجتماعهما لما قامت الحجة لاحتمال أنه ولده وخلقه ﴿وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ (٣٦) [مريم: ٣٦] هذا حكاية قول المسيح، وهو تصريح منه بالعبودية والمربوبية كما سبق.
﴿وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ (٣٦) [مريم: ٣٦] يعني طريق التوحيد ﴿إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً﴾ (٤٢) [مريم: ٤٢] يحتج به على إثبات السمع والبصر لله-عز وجل-لأنه أنكر على أبيه عبادة من لا يسمع ولا يبصر، وعرض له بعبادة من يسمع ويبصر هو الله-عز وجل.
واعلم أن المثبت لله-عز وجل-صفتا السمع والبصر وأنه ﴿ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ (٦١) [الحج: ٦١] يسمع ويبصر لا إثبات الجارحة كالعين والأذن، والإنسان إنما يسمع ويبصر بقوة السمع والبصر لا بالأذن والعين، بل هما محل لتلك القوة، فنظير تلك القوة في حق الله-عز وجل- نسميها صفة له، وهي مجردة من غير جارحة.
﴿يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا﴾ (٤٣) [مريم: ٤٣] فيه جواز بل وجوب تقليد العامي للعالم الثقة الأمين.