جمعا كثيرا من بني إسرائيل أدركوا بفطرتهم أن هذا هو الإله وهم كانوا أهل التحقيق والمعرفة منهم.
وأجيب بأن قبل هذا وبعده ما يقطع ببطلانه، وهو قوله-عز وجل- ﴿قالَ فَإِنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ﴾ (٨٥) [طه: ٨٥] فجعل ذلك فتنة ضلالا، وهو قول هارون لهم ﴿وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي﴾ (٩٠) [طه: ٩٠] وانتظم الدليل هكذا: الرحمن ربكم، والعجل ليس بربكم، ينتج أن الرحمن ليس هو العجل، وأن العجل ليس هو الرحمن، ولو صح ما زعمه الاتحادية لكان عبدة العجل المتوعدون بالغضب والذلة أعرف بالله-عز وجل-من موسى وهارون، وأنه محال.
﴿أَفَلا يَرَوْنَ أَلاّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً﴾ (٨٩) [طه:
٨٩] يستدل به الصوفية على أن الله-عز وجل-متكلم بحرف وصوت؛ لأن دل/ [٢٨٩/ل] من باب قياس العكس على أن الله-عز وجل-متصف بأنه يرجع إليهم القول لو شاء، وحقيقة ذلك المتعارفة المتبادر إليها الفهم هو القول بحرف وصوت، وأجاب الخصم بأن حاصل هذا أنه استدلال بالمفهوم، وهو ضعيف وإنما سلب النطق والكلام عن العجل، وذلك لا يقتضي إثباته لله-عز وجل-إلا بطريق المفهوم، ودل على التوحيد بنفي الضر والنفع، عن غير الله-عز وجل-ونظمه هكذا: الإله يملك الضر والنفع، والعجل غيره لا يملك الضر والنفع، فالإله ليس هو العجل، فالعجل ليس هو الإله.
﴿وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي﴾ (٩٠) [طه: ٩٠] فيه أن الطاعة موافقة الأمر ﴿أَلاّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي﴾ (٩٣) [طه: ٩٣] يفيد أن المعصية مخالفة الأمر لا الإرادة، خلافا لما يحكى عن المعتزلة.
وفيه أيضا أن الأمر على الوجوب والفور، أما الأولى فلعقاب موسى لهارون بالأخذ بلحيته ورأسه على مخالفة أمره. وأما الثاني: فلقوله: ﴿قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلاّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي﴾ (٩٣) [طه: ٩٢، ٩٣] وإذ وقتية أي: ما منعك حين أو وقت ضلالهم من اتباعي لتخبرني، أو من سلوك طريقي فيهم بالردع والمنع


الصفحة التالية
Icon